إنه
ينام وحده!؟
سألتها باحثاً عن أسباب تكرار نوبات حساسية الصدر عند طفلتها الصغيرة؛
فعلمت أن زوجها مدخن شره جداً لدرجة الإدمان!؟.
فقلت لها: (كما تعلمين أن التدخين من أهم أسباب تكرار نوبات الحساسية؛ فليس
على الوالد الكريم أن يتجنب التدخين في البيت فقط؛ بل ويتجنب التنفس في وجهها،
وأنا أعلم أنه لأمر قاسٍ على أي أب؛ أن يتجنب الاختلاط بأطفاله)!.
فقالت وهي تبتسم: (لا تقلق؛ فهو أولاً لا يأتي إلى البيت إلا متأخراً؛
لظروف وانشغاله بتجاراته الكثيرة، وثانياً أنه لا يُقَبِّلهم ولا يجالسهم أصلاً)!؟.
فلم أعلق على ردها، واحتفظت به داخلي؛ لأنه أثار في نفسي خواطر نازفة ومؤلمة!؟.
فلقد تذكرت الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ وهو يستنكر سلوكيات الوالدين خاصة
عدم تقبيل أبنائهم:
"جاء أعرابيٌّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تُقبِّلون
الصِّبيان فما نُقبِّلهم!.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَو َأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ
اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ». [البخاري5998]
قال ابن بطال رحمه الله: (رحمة
الولد الصغير، ومعانقته، وتقبيله، والرِّفق به، من الأعمال التي يرضاها الله
ويُجازِي عليها، ألا ترى قوله عليه السلام للأقرع بن حابس حين ذكر عند النبي صلى
الله عليه وسلم أن له عشرة من الولد ما قبَّل منهم أحدًا: «مَن لا يَرحَمْ لا
يُرحَمْ». [البخاري5997])
ثم تذكرت أهمية أن نقترب من أبنائنا ونحاورهم ونحفظ سر كل منهم.
وأن نكتشفت سمة كل منهم؛ بل ورائحته التي تميزه عنهم، والتي نفتقدها عند
غيابه ونستشعرها ولو كان على بعد أميال؟!.
فنردد في شوق؛ كما ردد يعقوب عليه السلام: "إِنِّي
لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ". [يوسف94]
ثم استوقفني وأدهشني قولها وكأنها تحدث نفسها: (الحمد لله؛ لعله خير؛ لأن
والدهم ينام بعيداً عنا وفي غرفة وحده)!!!؟.
فلم أعلق على فضفضتها الدفينة؛ وكأنني لم أسمع كلماتها وتذكرت في نفسي بعد
انصرافها؛ أحد فصول كتابي (هموم زوجة) والذي كان محوره قائم وحصيلته هو تفريغ
لاستبيانات دورات كنت أعطيها للوالدين والأبناء، ومن خلال الرد على استشارات
تربوية من حلقات في (مونت كارلو الدولية) وبعض الفضائيات، ومواقع أخرى منها (إسلام
أون لاين) أيام مجده!؟.
وكان عنوان هذا الفصل (
زوجي الفاضل ... لماذا تجبرني على كراهيتك؟!).
والذي سجلت فيه هذه الخواطر المبدعة من أستاذي الجليل رحمه الله حول هذه
الآية:
"وَكَيْفَ
تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىَ بَعْضُكُمْ". [النساء 21]
(والإسلام الذي ينظر إلى البيت بوصفه سكناً وأمناً
وسلاماً, وينظر إلى العلاقة بين الزوجين بوصفها مودة ورحمة وأنساً, ويقيم هذه
الآصرة على الاختيار المطلق, كي تقوم على التجاوب والتعاطف والتحاب.
ومن ثم كانت هذه اللمسة الوجدانية العميقة, في تعبير موح
عجيب!؟.
ويدع الفعل: "أَفْضَىَ" بلا مفعول محدد.
يدع اللفظ مطلقاً, يشع كل معانيه, ويلقي كل ظلاله, ويسكب
كل إيحاءاته.
ولا يقف عند حدود الجسد وإفضاءاته؛ بل يشمل العواطف
والمشاعر, والوجدانات والتصورات, والأسرار والهموم, والتجاوب في كل صورة من صور
التجاوب.
يدع اللفظ يرسم عشرات الصور لتلك الحياة المشتركة آناء
الليل وأطراف النهار, وعشرات الذكريات لتلك المؤسسة التي ضمتهما فترة من الزمان.
وفي كل اختلاجة حب إفضاء، وفي كل نظرة ود إفضاء، وفي كل
لمسة جسم إفضاء, وفي كل اشتراك في ألم أو أمل إفضاء، وفي كل تفكر في حاضر أو
مستقبل إفضاء، وفي كل شوق إلى خلف إفضاء، وفي كل التقاء في وليد إفضاء!.
كل هذا الحشد من التصورات والظلال والانداء والمشاعر
والعواطف يرسمه ذلك التعبير الموحي العجيب).
وذلك
حتى لا ننسى في غمار حياتنا الزوجية قيمتنا الإنسانية التي ارتفعنا إليها بزواجنا
والتقاءاتنا الودودة، واجتماعاتنا الحميمية، بل وكل إفضائاتنا!؟.
وكذلك
حتى لا ننزل بأنفسنا، ونخسر ذاتنا!؟.
ثم تذكرت هذا الحوار الشفوق بين الحبيب صلى الله عليه
وسلم وخديجة رضي الله عنها؛ عندما كانت أول إنسان يسرع إليه ليفضي إليه بمخاوفه من
حادث نزول الوحي أول مرة:
”أَيّْ خديجة مَالي؟!. لقد خشيتُ على نفسي!؟“
وهي رسالة ليعلمنا؛ أن تكون زوجتك هي أول وأقرب وأأمن
وأحَنّ مَرْسَىَ ترسو إليه سفينتك المضطربة لتشكو عواصف المحن فتهدأ وتطمئن!.
ثم تأثرت بهذه اللمسة الحانية الغامرة بالمودة والرحمة
في هذه الكلمات الرقيقة الآنسة:
”كلا؛ أَبْشِرْ فوَاللهِ لا يُخزيكَ اللهُ أبدَاً“.
عندما تجدها تربت على كتفيك المتعبتين عند انكسارك
برسائل الثقة والبشرى وتذكرك برصيدك الطيب وتطمئنك أنه لن يخذلك!.
فكما
أزعجني كأب عدم الاختلاط بالأبناء والحوار معهم وتقبيلهم!؟.
فقد أذهلني كزوج؛ أن زوجاً ورفيقاً وخِلاً يترك
خِلَّه، ويهجر سكن المودة، ويهرب من ملاذ الرحمة وينام وحده!!!؟؟؟.
ثم ...
د. حمدي شعيب
(19 يوليو 2018م)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق