الخميس، 20 سبتمبر 2018

عذراً ... لست المواطن مصري ... بل الزوج مصري!

عذراً لست المواطن مصري ... بل الزوج مصري!
منذ سنوات تلقيت هذه الرسالة النازفة من إحدى الزوجات الفضليات؛ والتي كان مضمونها: (زوجي كريم وملتزم، ولكنه لم يُسمعني؛ ولو مرة واحدة كلمة: شكراً؟؟؟!.
فهل عيب عند الأزواج أن يثنوا على زوجاتهم؟!.
هل من المحرمات أن يقول الزوج لرفيقته: جزاكِ الله خيراً!!!؟.
هل من الموبقات؛ أن يربت الزوج على كتفي المسكينة المنهكة؛ ولو حتى بعد الغداء، ويقول أمام صغاره: تسلم إيديك يا ست الكل؟؟؟!.
أتعب كثيراً في عمل البيت، واجهد نفسي في كل ما يسعد أسرتي، واحتسب الثواب عنده سبحانه أولاً، ولكن ما يهمني ويحزنني؛ هو أنني إذا ناقشت زوجي الحبيب، وشكوت له عدم مبالاة الأبناء بجهدي، وعدم تقديرهم لما أقوم به؛ ولو يسمعونني الكلمات الساحرة: ربنا يخليكي يا أمي!!!؟.
وكأنني أعطيه رسالة غير مباشرة حول عدم تقديره هو لي؛ فيقول ببساطة مؤلمة: لا تنكدين على نفسك؛ فهذا واجبٌ عليكِ، فتتعبين كما أتعب، ولا أنتظر المقابل، وهذه سنة الحياة)؟!.
ونصحتها بعدة نصائح؛ ذكرتها في كتابي (هموم زوجة).
وأهمها أن تبادر هي بإيجابية بحل مشكلتها؛ فتصنع ما تحب أن يصنعها معها الآخرين؛ وستجد المردود الطيب!.
وتتذكر ما صنعته المجادلة خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها؛ عندما تحركت لحل مشكلتها؛ عندما جادلت وحاورت الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ حتى اقتنصت الحل الذي نفعها؛ بل ونفع كل نساء الأمة بعدها!؟.
والعجيب أن يكون هذا الكم من هذه الشكوى النسائية من الأزواج، يماثل تقريباً نفس الشكوى الرجالية من الزوجات!؟.
إذن المشكلة الأسرية متبادلة!؟.
وأن هذا الهم الزوجي مزدوج!؟.
ولو بحثت عنه لوجدته ليس هماً خاصاً زوجياً وأسرياً، وليس هماً عاماً وإنسانياً أيضاً فقط؛ بل هماً يعاني منه الخلائق كلهم، والأحياء جميعاً!.
وتدبر ما تؤكده هذه الحادثة الطيبة؛ التي تبين أن هذا الهم؛ هو هم عام ومتجذر في طبيعة العلاقات بين الخلائق جميعاً؛ وهو ما جعل هذا البعير المسكين يشكو عدم شكر البشر الذين عايشهم، وعدم تقدير من عاونهم، وعدم وفاء من خدمهم!!!؟.
فقد (خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فجاء بعيرٌ يرغو حتى سجدَ لهُ.
فقال المسلمون: نحن أحقُ أن نسجدُ للنبي صلى الله عليه وسلم.
فقال: "لو كنتُ آمراً أحداً أن يسجدَ لغير اللهِ تعالى لأمرتُ المرأةَ أن تسجدَ لزوجها.
تدرون ما يقول هذا؟.
زعمَ أنه خدمَ مواليه أربعين سنةً، حتى إذا كبِرَ نقصوا عَلَفهُ، وزادوا في عملهِ، حتى إذا كان لهم عُرسٌ أخذوا الشِفارَ لينحَروهُ ـ أي أخذوا السكين ليذبحوه في حفل عرس لهم ـ".
فأرسل إلى مواليه فقص عليهم.
قالوا: صدق والله يا رسول اللهِ.
قال: "إني أُحبُ أن تدَعوهُ لي". فتركوه). [أحمد]
والحمد لله؛ بعد فترة بشرتني بأن العلاقات داخل الأسرة الطيبة آخذه في التحسن!.
امتلك الذكاء العاطفي:
تذكرت هذه الرسالة؛ عندما فوجئت منذ أيام برسالة أخرى؛ حيث تقول إحداهن: (أنني أحاول دوماً إسعاد زوجي العزيز، وبكل الطرق؛ خاصة في الاهتمام بزينتي وبملبسي، وأحاول أن يدخل البيت بعد عمله اليومي المضني؛ فيرى مني ما يسره؛ ولكنه لم يعلق أبداً على زينتي أو ملبسي؟!.
لقد اشتقت كثيراً لنظرة من عينيه؛ وهو يردد: ما شاء الله قمر!!!؟).
فكتبت إليها بأن العلاقة الزوجية؛ تحتاج إلى شيء من فن التنازلات والإيجابية بأن تتذكر دوماً قصة المرأتين المتنازعتين على الطفل؛ فتكون هي (أم الولد التي تخاف عليه)!.
وأن تمتلك هذا الذكاء العاطفي!.
والذي نعرفه من نظرية البروفيسور (بيتر سالوفي) أستاذ علم النفس و(جون ماير) عالم النفس:
وهو (قدرة المرء على رصد مشاعره ومشاعر الآخرين.
وما يعتمل لديه ولديهم من عواطف وتبنيها.
واستخدام هذه المعلومات لتوجيه فكر المرء وأفعاله).
ويحتاج إلى مهارتين:
(1)افهم ذاتك؛ وعبر عن مشاعرك: (Intrapersonal).
(2)افهم الآخرين، وتواصل معهم: (Interpersonal).
أي التوازن بين الذات والآخر.
أو فهم ما لي وما علي.
أو معرفة حقوقي وواجباتي.
 وهو الذي لمسناه عند عائشة رضي الله عنها؛ عندما كانت تبدأ هي بتحريك مشاعر حبيبها صلى الله عليه وسلم!.
فذات يوم "قالت: قلت: يا رسول الله كيف حبك لي؟.
قال: كعقدة الحبل.
فكنت أقول: كيف العقدة يا رسول الله؟!.
قال: فيقول: هي على حالها". [حلية الأولياء]
عبر عن مشاعرك:
وتساءلت كيف نقتل بإيدينا أحلامنا التي رسماناها لعلاقاتنا الزوجية والأسرية؛ بمجرد تجاهل تقدير الآخر؛ خاصة زوجاتنا وأبنائنا، والتعبير عن مشاعرنا نحوهم؛ كما أوصانا الحبيب صلى الله عليه وسلم:
"إذا أحبَّ الرجلُ أخاهُ فليُخْبِرْهُ أنهُ يُحِبُّهُ". [أبو داوود وحسنه الترمذي]
فإذا عجزت عن هدية رقيقة ولو وردة؛ فلا تعجز عن كلمة طيبة أو ربتة شفوقة أو حتى نظرة حانية!.
ثم أتمها بدعاء عباد الرحمن الخاشع: "رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاما". [الفرقان74]
 ليس المواطن مصري ... بل الزوج مصري!؟:
وتذكرت اللقطة الملهمة؛ والتي تعتبر (الماستر سين) في فيلم (المواطن مصري)!.
حيث جاء عن رواية (يوسف القعيد) والتي أخرجها ببراعة في أوائل التسعينيات العملاق (صلاح أبوسيف) رحمه الله؛ عندما شن الماركسيون حملة ضد حقبة (السادات) خاصة فترة اللاحرب واللاسلم قبل (حرب السادس من أكتوبر).
وعمق الظلم الاجتماعي، وحلة التخبط في الشارع المصري لغياب الرؤية؛ كما جاء في هذا الفيلم!؟.
والذي فيه يضغط العمدة (عمر الشريف) بسطوته وقهره على الفلاح المعدم (عزت العلايلي) ليرسل ابنه (عبد الله محمود) الذي يسمى (مصري) بدلاً من ابنه (خالد نبوي) ليقضي عنه فترة التجنيد؛ مقابل بضعة قراريط زراعية، والكارثة أن انتهي الفيلم بنهاية مأساوية؛ وهي وفاة هذا المجند الفقير المسكين (المواطن مصري) ضحية اللعبة الخالدة والمتكررة حول صراع الطبقات واستغلال المال والنفوذ في قهر الآخر، وافتضحت اللعبة الخسيسة!.
فدوماً الفقراء الأغبياء لا يعيشون إلا كوقود لقاطرة الأغنياء المحتكرين للسلطة والمال!.
ونأتي للقطة التي فهمها البعض على أنها تمثل واقع الحالة المصرية منذ عقود في كلمات دامية نازفة مبدعة!.
ولكننا نراها تمثل أحوالنا فردياً وجماعياً في كل عصر وكل مكان!.
وفي كل مجالات حياتنا؛ فنحن فقراء معدمين مقهورين سواء في الجانب الفكري أو المهني أو العلمي؛ بل والأخطر في الجانب الأسري والعاطفي أيضاً!.
فقف لحظة مع نفسك واسألها بمرارة: هل تحولت حياتي؛ خاصة الزوجية والأسرية كحالة هذا (المواطن مصري) الغلبان الفقير الفاشل؟!.
علاقة زوجية نصف نصف!؟.
لم أحصل فيها على مجموع مشرف يضمن مستقبلنا!؟.
فكيف صرنا مرتبطين جسدياً؛ ولكننا منفصلين روحياً ومشاعرياً؟!.
وكيف غدونا متزوجين؛ ولكننا غير متآلفين أو متحابين؟!.
ننام على فراش واحد متلاصقين؛ ولكن تفصلنا مشاعرنا أميال في صحراء الحياة الجدبة!؟.
وذلك بسبب بعض الغباء العاطفي، والفقر المشاعري والتصحر القلبي؟!.
وعجزنا في فن التعبير عن مشاعرنا!؟.
والحصاد الخطر والكارثي؛ أننا نلاحظ ظاهرة مرعبة؛ وهي أن الكثير من مشاهير التواصل الاجتماعي؛ والذين تربطهم علاقات صداقة افتراضية بين الجنسين؛ تجدهم يعانون من (شيزوفرينيا المشاعر)؛ فيهربون من تقصيرهم في حياتهم الخاصة إلى الإفراط في إظهار مشاعرهم لأصدقائهم في العالم الخيالي الافتراضي، وقضاء الساعات الطوال في حوارات عقيمة؛ خاصة في الليل المتأخر؛ وقد يقعون تحت طائلة الخلوة غير الشرعية!؟.
ثم نجدهم عاجزين داخل بيوتهم، وفاشلين في علاقاتهم الأسرية والزوجية!؟.
وكأنه نوع جديد خطر من المخدرات المشاعرية!؟.
وكم من بيوت آمنة هددها الخراب والضياع بسبب هذه الظاهرة، والعياذ بالله!؟.
اللهم إنا نسألك العافية!.
اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا!.
وتدبر كلمات (مصري) المؤلمة؛ وهو يكتبنا ببراعة، ويترجم أحوال كل الأغبياء مثلنا:
(تعرفي يامه أنا اتضح لي إن عمري كله يشبه المجموع اللي أنا جبته في ثانوية عامة!.
خمسين في المية!؟.
نص نص يعني!.
بس مش أنا لوحدي!؟.
بلدنا كلها نص نص!.
عمرنا ما فرحنا للأخر، ولا حزنا للآخر، عمرنا ما رضينا للآخر، ولا غضبنا للآخر!.
دايماً نص نص!.
دايماً بنرجع قبل آخر المشوار!.
عشان كده لا بنروح، ولا بنيجي!.
محلك سر!.
حتى في الحرب؛ لا بنحارب، ولا مبنحاربش، بيكتبوها كده في الجرانين؛ حالة اللاسلم واللاحرب!.
البلد ذاتها مش جايبه مجموع يامه!؟.
مش أنا لوحدي)!؟.
المواطن مصري يكتبنا




ثم ...
د. حمدي شعيب
(20 سبتمبر 2018م)