الخميس، 31 ديسمبر 2020

إنشاالله تنجبر!؟

إنشاالله تنجبر!؟
سبحان الله دوماً تأتيني أيتها الطيبة في موعدك!؟.
كلما مررت بشدة أومحنة عاصفة؛ أتوقع حضورها!؟.
أو على الأقل اتصالاً هاتفياً منها!؟.
إنها امرأة ريفية فقيرة بسيطة، تأتي إليّ في العيادة دوماً في ظروف خاصة!؟.
وأؤكد في ظروف خاصة أعني بها ظروفي أنا؛ لا ظروفها هي؛ مثلاً؛ كما تأتي لظروف مرض أحد أبنائها أو أحفادها!؟.
ظروف خاصة عندما احتاجها أنا؛ أكثر من احتياجها هي!؟.
ظروف خاصة استشعر أنني كالغريق يستغيث بمولاه أن يرسل له جندي من جنوده ليغيثه وينقذه!.
ظروف خاصة عندما تُغلق أمامي كل الأبواب، وتضيع مني كل الأسباب، وتتهاوي حولي كل الأسناد، ويخذلني كل من حولي من صداقات وأصحاب!؟.
فأفتش عن ثغرة داخلي؛ تكون عقبة أمام أبواب الفرج!؟.
مثل ذنب قد حجب عني رحمة مولاي، وحجب عني إجابة دعائي!؟.
وأخرج من بيتي بنية التفتيش والتنقيب والبحث عن أي باب من أبواب الرحمة!؟.
وكأنني فعلاً متسولٌ مسكينٌ ذليلٌ؛ أتسول أي هدية ربانية تقابلني في طريقي!؟.
وأن يرزقني بمن أحاول جبره بخبيئة؛ ولو بسيطة، لأستمتع بجمال ابتسامته الراضية!؟.
وأتلذذ بسماع دعوته التلقائية؛ خاصة عندما تكون بلغته العامية الدارجة الساحرة!؟.
فتظل تتردد على مسامعي طوال اليوم!؟.
فأعيش في ظلها!؟.
وتحميني من كل بلاء لا أعلمه!؟.
وتقيني مصارع السوء التي أجهل مصادرها؛ ولو كانت أقرب مما أتوقع!؟.
وتدفع عني وعن من أحب ميتة السوء!؟.
وتحصنني ضد شياطين الإنس قبل شياطين الجن!؟.
فدومًا هذه العجوز الطيب تذكرني بتجربة حجة الإسلام الإمام أبي حامد الغزالي رحمه الله عندما دخل أحد المساجد متخفيًا؛ فهالة قول أحد الشيوخ لتلاميذه دعوني أعلمكم علم الغزالي!.
فخرج الإمام باكيًا من المسجد خشية الرياء!.
وظلل متمسكًا بدعاء لا يتركه طيلة حياته؛ وهو:
(اللهم ارزقني إيمانًا كإيمان عجائز نيسابور!).
وورد أن أبا المعالي الجويني الملقب بإمام الحرمين وهو شيخ الإمام الغزالي رحمهما الله والذي كالن ينتسب إلى (نيسابور) كان يتمنى أن يموت على عقيدة عجائز نيسابور الصافية الخالصة النقية!.
على موعدها!:
ولقد حدث أن قام أحدهم بعملية ماكرة غادرة لإيذائي!؟.
فمن أقسى المواجهات؛ هو أن تواجه من لا يخاف ربنا!؟.
ومن اشتهر بسمعته السيئة حتى أهل بيته والعياذ بالله!؟.
فقد كان اليوم موعد الحكم في القضية؛ التي لفقها لي هذا الغادر!؟.
ومر الوقت بطيئاً!.
فكانت كل لحظة؛ وكأنها دهراً، وكانها صخرة تجثم على صدري، وتلتصق بي، وتقبض على نبضات قلبي الواهنة الواهية، فتأبى المرور إلا بالزحزجة والدفع كأنما تدفع حجراً ثقيلاً لتصعد به إلى قمة جبلٍ أشمّ!؟.
فأخذت بأسبابي الأرضي!؟.
ثم بدأت باستمطار توفيق مولاي وعونه!؟.
فأخذت مجتهداً؛ بالتسلح بدعائي وبأذكاري واستغفاري!؟.
خاصة الذكر المطلق الذي لا يرتبط بوقت!؟.
بل يرتبط بمقام المضطر!؟.
خاصة دعاء اللحظات الحرجة:
"وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ". (غافر44)
وقد أحسست بالعجز!؟.
وكما عودني ربي سبحانه؛ أنه إذا وصلت لمقام الاستيئاس استبشرت بالفرج!.
حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا“ (يوسف 110)
فعندما تلبغ قمة الخنقة تأتيك الانفراجة!.
ومع اشتداد ظلمة الليل يبزغ الفجر!.
وإذا بالممرضة تدخل عليَّ وتقول الحاجة بحفيدها بالخارج!؟.
فسبحان الله؛ ...
دوماً تأتي سيدتي الطيبة في موعدها!.
وكم من مرة قد تعجبت من هرولتي لمقابلتها مرحباً وواقفاً!؟.
فلعلها لا تدرك كم نحتاج لأمثالها؛ أكثر مما يحتاجوننا!.
وكم هو جميل أن أعيش في ظل دعوتها البسيطة المؤثرة التي أنتظرها دوما!؟.
فاستبشرت وتفاءلت واستشعرت مدى الثقة التي غمرتني وكأن الفرج قد هرول إليَََّ معها!؟.
ولم تمر ساعات بعد مغادرتها حتى جاء الفرج!؟.
فقد تلقيت رسالة تبشرني بصدور الحكم لصالحي!؟.
فكم هي متعة لا تدانيها متعة؛ خاصة وأنت في قمة شدتك؛ أن يأتيك دعاءها الجميل السحري البسيط والمؤثر وكأنه مفتاح الفرج
ورسالة ربانية عاجلة أنه سيجبرك بعد انكسارك!.
وهو:
(إنشاالله تنجبر)!؟.
(الأحد 24 مارس 2019م)



الأربعاء، 16 ديسمبر 2020

(المُغفلَة) أروع قصة قصيرة من روائع الأدب العالمي للأديب الروسي الكبير (أنطون بافلوفتش تشيكوف)

(المُغفلَة)
 أروع قصة قصيرة من روائع الأدب العالمي للأديب الروسي الكبير (أنطون بافلوفتش تشيكوف)
(ما أبشع أن تكون ضعيفاً في هذه الدنيا)!!!؟
هكذا فضح طبيعتنا وحالة أمتنا!.
وأسباب محنتنا!.
وكشف عجزنا!.
منذ أيام دعوتُ الى غرفة مكتبي مربّية أولادي (يوليا فاسيليفنا) لكي أدفع لها حسابها
- قلت لها : إجلسي يا يوليا … هيّا نتحاسب … أنتِ في الغالب بحاجة إلى النقود ولكنك خجولة إلى درجة انك لن تطلبينها بنفسك ... حسناً ... لقد اتفقنا على أن أدفع لك (ثلاثين روبلاً) في الشهر
– قالت : أربعين

– قلت : كلا .. ثلاثين .. هذا مسجل عندي … كنت دائما أدفع للمربيات (ثلاثين روبلاً) …
– حسناً
– لقد عملت لدينا شهرين
– قالت : شهرين وخمسة أيام
– قلت : شهرين بالضبط .. هذا مسجل عندي .. إذن تستحقين (ستين روبلاً) ..
نخصم منها تسعة أيام آحاد .. فأنت لم تعلّمي (كوليا) في أيام الآحاد بل كنت تتنزهين معهم فقط .. ثم ثلاثة أيام أعياد .
تضرج وجه (يوليا فاسيليفنا) وعبثت أصابعها بأهداب الفستان ولكن لم تنبس بكلمة
واصلتُ …
– نخصم ثلاثة أعياد إذن المجموع (إثنا عشر روبلاً) .. وكان (كوليا) مريضاً أربعة أيام ولم تكن يدرس .. كنت تدرّسين لـ (فاريا) فقط .. وثلاثة أيام كانت أسنانك تؤلمك فسمحتْ لك زوجتي بعدم التدريس بعد الغداء .. إذن إثنا عشر زائد سبعة .. تسعة عشر .. نخصم ، الباقي .. (واحد وأربعون روبلاً) .. مضبوط ؟
– إحمرّت عين (يوليا فاسيليفنا) اليسرى وامتلأت بالدمع ، وارتعش ذقنها .. وسعلت بعصبية وتمخطت ، ولكن … لم تنبس بكلمة
– قلت : قبيل رأس السنة كسرتِ فنجاناً وطبقاً .. نخصم (روبلين) .. الفنجان أغلى من ذلك فهو موروث ، ولكن فليسامحك الله !! علينا العوض .. وبسبب تقصيرك تسلق (كوليا) الشجرة ومزق سترته .. نخصم عشرة .. وبسبب تقصيرك أيضا سرقتْ الخادمة من (فاريا) حذاء .. ومن واجبكِ أن ترعي كل شيء فأنتِ تتقاضين مرتباً .. وهكذا نخصم أيضا خمسة .. وفي 10 يناير أخذتِ مني (عشرة روبلات)
– همست (يوليا فاسيليفنا) : لم آخذ
– قلت : ولكن ذلك مسجل عندي
– قالت : حسناً، ليكن
– واصلتُ : من واحد وأربعين نخصم سبعة وعشرين .. الباقي أربعة عشر
امتلأت عيناها الاثنتان بالدموع .. وظهرت حبات العرق على أنفها الطويل الجميل .. يا للفتاة المسكينة
– قالت بصوت متهدج : أخذتُ مرةً واحدةً .. أخذت من حرمكم (ثلاثة روبلات) .. لم آخذ غيرها
– قلت : حقا ؟ .. انظري وانا لم أسجل ذلك !! نخصم من الأربعة عشر ثلاثة .. الباقي أحد عشر .. ها هي نقودك يا عزيزتي !! ثلاثة .. ثلاثة .. ثلاثة .. واحد ، واحد .. تفضلي .
ومددت لها (أحد عشر روبلاً) ..
فتناولتها ووضعتها في جيبها بأصابع مرتعشة .. وهمست : شكراً
انتفضتُ واقفاً واخذتُ أروح وأجيء في الغرفة واستولى عليّ الغضب
– سألتها : شكراً على ماذا ؟
– قالت : على النقود
– قلت : يا للشيطان ولكني نهبتك .. سلبتك ! .. لقد سرقت منك ! .. فعلام تقولين شكراً ؟
– قالت : في أماكن أخرى لم يعطوني شيئاً
– قلت : لم يعطوكِ ؟! أليس هذا غريبا !؟ لقد مزحتُ معك .. لقنتك درساً قاسياً ..
سأعطيك نقودك .. (الثمانين روبلاً) كلها .. ها هي في المظروف جهزتها لكِ !! ولكن هل يمكن أن تكوني عاجزة الى هذه الدرجة ؟ لماذا لا تحتجّين ؟ لماذا تسكتين ؟ هل يمكن في هذه الدنيا ألاّ تكوني حادة الأنياب ؟ هل يمكن ان تكوني مغفلة إلى هذه الدرجة ؟
– ابتسمتْ بعجز فقرأت على وجهها : “يمكن
– سألتُها الصفح عن هذا الدرس القاسي وسلمتها ، بدهشتها البالغة ، (الثمانين روبلاً) كلها .. فشكرتني بخجل وخرجت
تطلعتُ في أثرها وفكّرتُ : ما أبشع أن تكون ضعيفاً في هذه الدنيا.




 



ثم ...