الأربعاء، 20 ديسمبر 2017

من أجلك يا حاجة!

(من أجلك يا حاجة!؟)
حتى لا نضجر ونتساءل بجحود: كيف يدبر أمورنا؟!.
أمس في المنزل وبينما كان أولادي يضربون أخماساً في أسداسٍ حول أمور تتعلق بنتائج امتحاناتهم وسفرهم وعملهم؛ فتحت لهم صفحة رائعة من (حديث الذكريات) وكيف يدبر مولانا أمورنا ويسبب الأسباب!؟.
فقط نقي نيتك لفعل الخير وأحسن ظنك بتدبيره، وسر إليه ولو ماشياً فسيأتيك سبحانه هرولة!؟.
فمن روعتها قلت لهم سأسجلها اليوم لعلها تنفعني وتنفعهم بعد مماتي وتنفع من يقرأها ويتدبرها ويرضى بقضاء الله وقدره!.
فذات يوم وفي الثمانينيات وبينما كنت مداوماً في طوارئ الأطفال بمستشفى بريدة للأطفال والولادة بالسعودية في عيد الفطر.
وكنت قد قدمت حديثاً في شهر رجب وكلي أمل أن أوفي بوعدي لوالدتي رحمها الله؛ والتي كانت مشفقة عليّ من سفري وغربتي وعرضت عليّ أن تساعدني في الزواج ولكن كما رباني والدي شيخ البلد المكافح العظيم أن اعتمد على نفسي ولا أرهق أحداً في حياتي وألا أكون عالة على أحد وأن أتحمل مسؤوليتي من صغري؛ وكم تعجبت أمي من تجارتي في المواشي والحبوب حتى شراء التبن من حصاد أرضها ثم ادخره في المخزن لوقت بعد الموسم فأبيعه بسعر طيب!؟.
وهذا ما نفعني كثيراً في حياتي!؟.
ولم يزل ولم أزل!.
وقلت لوالدتي بثقة: بل سأسافر وأجهز نفسي وأزوج نفسي وسأدعوك للعمرة والحج وزيارة الحبيب صلى الله عليه وسلم!.
وبينما أنا في الدوام الذي يمتد من الرابعة مساء إلى الحادية عشرة مساء؛ ومن عمل في السعودية يعرف جيداً معنى طوارئ العيد؛ وقيود العمل ثم قيود التحرك ألا بموافقة الكفيل!.
جاءني من يقول لي: (هناك اتصال تليفوني لك)!!!?.
فقمت مسرعاً فأنا أعزب ومن تراه سيطلبني ولم يكن أيامها خدمة الجوال أو (البيجر)!.
وكانت المفاجأة أن تلقيت أعظم مكالمة في حياتي وأغربها وأكثرها تأثيراً في مسار حياتي: (أنا أمك يا حمدي وأنا في مطار جدة)!!!؟؟؟.
فعلى قدر فرحتي وسجودي لله شكراً؛ فقد كانت حيرتي أيضاً!؟.
فمعجزة أن تحصل أمي على تأشيرة بعد الخامس والعشرين من شعبان؛ وذلك للفرامانات الغريبة المكبلة؛ حتى يمنعوا المتهربين من العمرة إلى الحج ولتخفيف ضغط عمرة رمضان!.
ولكن بجهود أختي وزوجها جزاهما الله خير الجزاء تمت أول معجزة بتدبير مسبب الأسباب!.
أما الأصعب فكانت المعضلات الأخرى والقيود التي وضعها خانق الناس ولا يحلها إلا خالق الناس!؟.
فأما المعضلة الثانية والتي تحتاج لمعجزة ثانية؛ فهي أنني مداوم طوارئ ولا أستطيع التحرك أو مغادرة المدينة؛ فما بالكم بالسفر إلي جدة؛ ولابد له من تصريح من الإدارة، وطبعاً كل الإدارة أجازة وكلهم في (الكشتة) أي الخروج إلى البر والتخيم والتعسكر بعيداً عن المدينة؛ فكيف الوصول لأحدهم وليس هناك وسائل اتصال ولم أزل مستجداً!.
وبينما أنا في حيرتي والوقت يمر نظرت من نافذة العيادة لأجد سيارة المدير (اللاندكروزر) أمام مكتب المدير والمكتب مفتوح؛ فذهبت مسرعاً لأجد المدير فحكيت له على الوضع فقال:
(سبحان الله؛ يا دكتور أنا كنت في البر منذ يومين ونسيت محفظتي في المكتب فحضرت مسرعاً وسأعود خلال دقائق، ولن نعود من البر إلا عند بداية الدوام بعد خمسة أيام!؟)
فدمعت عيناي شكراً لتدبير ربي الحليم الكريم!.
ثم تعاطف معي وأعطاني على عجل تصريحاً للسفر ثم قال رتب مع زملائك وسافر!؟.
أما المعضلة الأشد؛ أن أجد زميلاً يقبل بالحضور مكاني ويكون قد طبق في الطوارئ دوامين أي حوالي يوم كامل!؟.
وما أدراك ما طوارئ الأطفال؛ ثم ما أدراك ما طوارئ الأعياد!؟.
فاتصلت بزميلي الاسكندراني الشهم د. أحمد عباس والذي كان قد عاد لتوه لمسكنة من الدوام الصباحي؛ فحضر جزاه الله خير الجزاء وترك أسرته!?.
ولعله تدبير مولاي، وبركة الرجولة والشهامة وصنع الخير والمعروف؛ أن أذكر الآن هذا الصديق العزيز الذي لم أره منذ عقود؛ فأدعو له بظهر الغيب الآن، وأنا على ثقة أن الله قد جزاه عني صنيعه!؟.
ثم كانت المعضلة الأصعب أن تجد مكاناً في طائرة إلى جدة في الأعياد والأجازات؛ فاتصلت بصديق يعمل في استقبال المطار كان عندي منذ يومين بالعيادة؛ ولازلت أذكره بالخير لخلقه ورجولته؛ فكان من تدبير الله أنه كان مداوماً وحصل لي على تذكرة بمعجزة لا ييسرها إلا مولاي مدبر الأمر!?.
وركبت طائرة السابعة مساء وقابلت والدتي وذهبنا للعمرة معاً ثم حضرت معي في طائرة الصباح؛ لأعود إلى دوامي المسائي من الرابعة مساء نفس اليوم!؟.
ثم ظلت معي حتى موعد الحج فوفقنا الله لأداء مناسك الحج معاً وسافرت بعدها بأيام!؟.
وللقصة بقية عجيبة وخاتمة مؤلمة!؟.
ولقد رويتها الآن لأنني قد حكيتها أمس لأولادي امتناناً واعترافاً لمولاي الذي عاهدني ألا يخيب لي رجاء ولا يخذلني ويجبرني في كل شدائدي!؟.
ولعلها بركة بر الوالدين التي أنعم الآن بها في رضا وطاعة لله وفي تيسيره لمسيرة حياتية أتشرف بها وتفخر بها ذريتي ولولاه سبحانه ما اهتديت إليها والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وما شاء الله لا قوة إلا بالله!؟.
فيارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك!؟.
وكم تهزني هذه الرسالة القرآنية؛ فعندما تستشعر عظم نعم مولاك؛ فتستشعر معها عظم عجزك عن شكره؛ فتناجيه:
"رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ" (الأحقاف15)
فاللهم أوزعني لشكرك وألهمني حمدك وادفعني دفعاً وحرّضني تحريضاً على فن شكر نعمك!؟.
ليكون رصيداً لي في خبرتي الستينية أهديها لأولادي وأحفادي وكل من أحبنا وأحببناه في الله؛ حتى لقاء فيظلنا الله بظله يوم لا ظل إلا ظله!؟
أما نهاية القصة الحزينة والتي لا تقل غرابة في تقدير وتدبير مولاي؛ فهي أن والدتي رحمها ووالدي وموتى المسلمين وجعل قبورهم روضة من رياض الجنة؛ أنه لم يأت حج العام التالي إلا وقد توفاها الله!؟.
يا الله؛ ...
فمن أجلك يا حاجة سخر العباد في مختلف البلاد ودبر لكِ ما تطلبينه!.
فسبحان مولاي؛ إنه حقاً "يُدَبِّرُ الْأَمْرَ". (الرعد2)

 
بر الوالدين يرد ملك الموت
الشيخ د. عمر عبد الكافي حفظه الله





ثم ...
استمتع بالمزيد من خواطر مهاجرة على هذا الرابط
د. حمدي شعيب
(20 ديسمبر 2017م)

ليست هناك تعليقات: