السبت، 29 يوليو 2017

رفقاً بمشاعر الخريف!



رفقاً بمشاعر الخريف!

-أم كريم؛ أرأيتِ كيف خلا البيت علينا، وأصبحنا وحيدين؛ كما بدأنا مشوار حياتنا؟!.

-أبا كريم؛ هذه سنة الحياة؛ فكما تركنا بيوت والدينا؛ هكذا عجلة الحياة تدور؛ فيتركنا أبناؤنا!؟.

-ولكن ألا تساوركِ مثلي هذه المشاعر القاسية؟!.

ألم تطاردكِ هذه الأسئلة المؤلمة؟!.

هل كُتِبَ على الوالدين أن يعطيا كل شيء؛ ولا يجدا كلمة تقدير أو لمسة حنان من أبنائهم الأعزاء؟!.

هل سينتظر الأبناء مثلنا السنوات الطوال حتى يمروا بنفس تجربتنا؛ ليشعروا بما نشعر به الآن؟!.

هل كبرت مشاعرنا كما كبرنا؛ فترسب على جدران عواطفنا كوليسترول المشاغل الحياتية؛ فأصبحت شرايين وأوعية أحاسيسنا متصلبة، وأصبحت عرضة للجلطات العاطفية، والسكتات الحميمية؟!.

ترى هل شاخت أحاسيسنا؛ كما شاخت أجسادنا؛ فأصابها صعوبة وضيق تنفس المشاعر؟!.

ترى هل غزت التجاعيد عواطفنا؛ كما غزت بشرتناا؛ فاختفت خلفها لمساتنا وكلماتنا وهمساتنا؟!.

ترى هل خشنت قلوبنا؛ كما خشنت مفاصلنا؛ فلم تعد تقوى على تحمل آلام هجر الأحباب؟!.

ترى هلى ضعفت علاقتنا؛ كما ضعفت أبصارنا؛ فلم نعد نتصل أو نتزاور أو نجتمع ونتجالس؛ فعوّضناها برنة من الهاتف كما عوّضنا ضعف أبصارنا بالنظارة؟!.

ترى هل ارتعشت حبال الود؛ كما ارتعشت أعصابنا؛ فلم تعد تتحكم في تماسك صلة الأرحام؟!.

ترى هل هزلت نفوسنا؛ كما هزلت وضعفت معدتنا؛ فلم تعد تهضم كلمات الآخرين، وتتغاضى عن زلاتهم؛ كما كنا نهضمها حتى لا نخسر محبينا؛ كما ضعفت بطوننا في هضم الطعام؟!.

-يا أبا كريم؛ هل نسيت أننا أصبحنا أجداداً، وكل مرحلة ولها متطلباتها ومشاعرها ومتعتها؟!.

-يا إلهي؛ لقد أنستنا السنون أسماء التدليل الذي كنا نتدلل بها في سنواتنا الأولى؛ فتنادينني كما يناديني زملاء العمل؛ والحمد لله لم تقولي (يا حاج) كما يناديني شيخ المسجد والبواب؟!.

أين ذهب (دودو) وأين اختفت (سوسو)؟!.

ترى ...!؟.

ولم يكمل أبو كريم همومه، وفضفضته النازفة الدامية في جلستة المسائية مع رفيقة العمر.

وذلك بعد أن تزوج آخر العنقود، وسافر منذ أيام في رحلة شهر العسل مع عروسه الجميلة؛ حتى رن جرس الباب.

فقام ليفتح الباب فإذا بولده كريم؛ يدخل مسرعاً مازحاً مداعباً مثيراً للجلبة الجميلة كعادته؛ وهو يقول:

(من فضلكم أيها العصفورين؛ استعدا الآن لحفل عيد ميلاد حفيدكما في أحد المطاعم!؟.

ولإنه مثل أبيه تربى على المعاكسة؛ فهو يشترط شروطاً للمدعوين الكبار فقط واستثنى منها الصغار طبعاً:

أن يأتي الكبار بالثوب أو البدلة التي ذهب بها يوم الخطوبة؛ أو للتيسير ولو حتى لونها!؟.

وأن يضع العطر و(البارفان) الذي استعمله في أول لقاء مع حبيبه!؟.

وأن يتذكر أروع لمسة من رفيقة؛ عندما همس إليه بها في أول لقاء!؛ لأنه سيستعيدها الليلة؟.

أمامكما فرصة للاستعداد؛ حتى أتوضأ وأصلي العشاء في غرفتي التي وحشتني ولكم جمعت مذاكراتنا ونومنا وخناقاتنا مع أخوتي)!؟. 

وعند وصولهم إلى المطعم؛ أجلسهما على ترابيزة تتسع لمكانين فقط في مكان بعيد هادئ تضيئه الشموع، ومن بعيد تتهادى إلى أسماعهم الموسيقى الخفيفة!.

واستأذن في الانصراف ليحضر زوجته والأحفاد.

ولكنهما وجدا على المائدة (بوكيها) من الورد وعليه هذا الرسالة الرائعة التي أبكتهما:

(هنا يا عصفورينا وفي هذا الركن الهادئ.

أرجو أن تتقبلا هذه العزومة المتواضعة؛ مني ومن زوجتي والأولاد؛ على عشاء بسيط لكما وحدكما، وبمناسبة عيد زواجكما.

فلعلكمتا بانشغالكما بي وبأخوتي والأحفاد قد نسيتمونه!.

وسنعود إليكما حين ينتصف الليل لتوصيلكما؛ لتكملا سهرتكما معا في عشكما.

فهناك أختي قد ذهبت بأولادها لتجهيز الشقة لكما!.

والحساب خالص.

واغفرا لنا تقصيرنا!.

ودعواتكم)!؟.
 المقطوعة الحالمة November Sky للمبدع Yanni















 ثم ... 
د. حمدي شعيب 
(29 يوليو 2017م)