لن
يغلق باباً للخير أنت فتحته!؟
(الحياة لا تعطينا الخبرة إلا بعد أن يشيب رأسنا)!.
حكمة صينية قديمة تذكرتها الآن!؟.
عندما حضر إليّ في العيادة اليوم وبعد طول غياب صديقي الجميل القديم الستيني
مع حفيده!.
وهو فلاح بسيط أُمّيّ!؟.
إذا نظرت إلى تجاعيد وجهه؛ لقالت لك: (خفف الوطء؛ فأنت في حضرة شاهد على
العصر!.
وتواضع لصاحبي؛ فكل تجعيده لها قصص وحكايات وخبرات وابتلاءات وأفراح وأحزان!.
فحاول اقتناص رسائلها)!؟.
لذا فإن الحديث مع هؤلاء البسطاء يغنيك عن قراءة عشرات الكتب؛ حيث يعطيك
خبرة تجربته، وعصير تجاربه في كلمات بسيطة؛ قلما تحصل عليها من قراءاتك!.
وكان حديثنا عن الرزق وبركة الرزق؛ ونقصد بالرزق ليس الأموال فقط؛ بل يشمل
العافية وبركة الوقت والسمعة الطيبة والزوجة الصالحة والولد الطيب والعلاقات
الطيبة والمناخ الحر الطيب، و ...!.
فلخص لي كل ما عرفته ودرسته حول هذه القضية؛ بهذه الكلمات البسيطة الرائعة
التي نصحني بها: (ربك يعطيك؛ عند اللحظة التي تظن فيها أنه لن يعطيك)!!!؟.
فحكيت له قصة عن الرزق وبركته وكيفية حفظه وأبوابه؛ كان قد قصها عليَّ
والدي شيخ البلد الريفي البسيط رحمه الله.
ولعلها من الإسرائيليات؛ التي أُمرنا ألا نكذبها ولا نصدقها؛ ولكن نسترشد
بها طالما وافقت شرعنا!.
ولم أزل وبعد عقود طويلة وبخبرتي
الستينية؛ إذا قلقت على الرزق؛ فإنها أول ما يقفز على سطح ذاكرتي؛ لتطمئنني
وتبشرني، وتبث في داخلي روح التفاؤل والراحة والثقة في موعود مولاي الغني!؟.
رغم اهتمامي بهذه القضية؛ خاصة وقد قرأت عنها وعن آياتها خاصة (سورة
الذاريات)؛ وجمال خواطر وظلال أستاذي الجليل رحمه الله حولها؛ خاصة هذه الآية:
"وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ". [الذاريات22]
(لفتة إلى معرض الغيب العلوي المطوي؛ حيث الرزق المقسوم، والحظ المرسوم.
لفتة عجيبة فمع إن أسباب الرزق الظاهرة قائمة في الأرض؛ حيث يكد فيها الإنسان.
تأتي آيات ترد القلب إلى الله ويتخلص من أثقال الأرض، وأوهاق الحرص، والأسباب
الظاهرة للرزق؛ فلا تحول بينه وبين التطلع إلى المصدر الأول الذي أنشأ هذه الأسباب.
وليس المقصود بها إهمال الأرض وأسبابها وعمارتها. إنها ليست التي ترزقه فرزقه مقدر
في السماء وما وعده الله).
وتأثرت بالكثير من الرسائل القرآنية حولها؛ مثل:
”لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ“. [العنكبوت60]
فصور لنا الانشغال
بالرزق وكأنه حمل ثقيل ومشقة وعبء يحمله الإنسان؛ فينوء به كاهله كل لحظة.
ثم يطمئننا أنه
الرزاق سيرزقنا كما يرزق الدابة الضعيفة التي كفاها رزقها فلا تتعب في حمله. ولا
يدعها للجوع!.
ثم ناتي للقصة العجيبة المحفورة في ذاكرتي منذ طفولتي؛ والتي كانت منعطفاً
على طريق مسيرتي الحياتية!.
وقد ورثتها أولادي؛ وكل من أحبهم ويحبونني في الله؛ أن تجعل لك شريكاً أميناً
مخلصاً وبنسبة معينة في كل ما تكسبه في هذه الحياة، وما يهبه لك مولاك من أرزاق!.
ولعلني كتبت قصتي مع صديقي المديون؛ والتي كانت تحت عنوان: (هل جربته ...
حتى لا تحترق جنتك؟!).
والذي حاول أن يبيع أحد مؤسستيه؛ فذكرته بقصة (أصحاب الجنة)؛ وعرضت عليه
شريكاً سيبارك له في جنته ويحفظها وينميها!.
وكانت النتائج المذهلة؛ حتى أنه وللآن يشكرني دوماً أن عرفته بشراكة عظيمة؛
وهي أن يشارك ربه ورازقه ومولاه!.
تقول القصة أن أحد المعدمين بعد أن ضاق به الحال، وتكالبت عليه الديون؛ لدرجة
أنه كان يدخل بيته ليلاً، ويخرج صباحاً خلسة؛ حتى لا يراه الدائنون؛ حتى ذاق أقسى
معاني قهر الرجال!.
وذات ليلة بعد أن رأى دموع زوجته الصابرة؛ وقد آلمه عدم شكواها؛ حتى ذاق
وخزات العجز!.
ولم يذق طعم النوم؛ من صراخ أولاده وهم يتضورون جوعاً، وقد تجمدت أطرافهم،
من قلة الثياب التي تقيهم زمهرير الشتاء!.
فخرج باكياً جائعاً مرتعشاً هائماً على وجهه!.
فذهب لمقابلة موسى عليه السلام؛ فقال له: (يا كليم الله؛ ألا تسأل ربي عن
حالي، ومصيري ومصير أسرتي المسكينة؟!).
ثم مرت أيام وجاءت الإجابة؛ فقال له موسى عليه السلام: ( ربي يقول أنه
سيغنيك غنى فاحشاً؛ كما لم يهبه لأحد، وذلك لمدة ثلاث سنوات، ثم ستفتقر بعدها فقراً
لم يواجهه أحد!).
فتهلل وجه الرجل فرحاً!.
حيث أغناه الله كما وعده!؟.
فما كان منه أن قال لزوجته: (يا زوجتي الطيبة الصابرة؛ لقد أغنانا الله
والحمد لله، ولكن لا ننس أنها انفراجة مؤقتة، ولعلها اختبار، فلماذا لا نجتهد في
العبادة؛ لعل ربنا يرأف بنا في فقرنا!.
ونجتهد في فتح أبواب الإنفاق؛ لعل الناس يذكروننا بالخير؛ فلا ينسوا
أيادينا البيضاء عليهم؛ ولا ينسونا في محنتنا المتوقعة)!.
ثم رسموا خطة مع أولادهم؛ لإرضاء ربهم الوهاب؛ فاجتهدوا في الطاعة معاً.
واتخذوا ربهم شريكاً لهم!.
واتخذوا ربهم شريكاً لهم!.
ورسموا خطة للإنفاق؛ لمعاونة الناس وجبر خاطرهم؛ فأنشأوا ما يسمى في الريف
(التكية)؛ لإطعام الطعام، وكان لها أربعة أبواب؛ بابان لدخول الناس لتناول الطعام،
وبابان للخروج!.
مع المسارعة في تحقيق مطالبهم واحتياجاتهم!.
ومرت ثلاث سنوات؛ وهم ينتظرون تحول الأيام!.
ثم مرت أسابيع بعدها، والرجل وأسرته في ذهول وخيفة من استمرار العطاء!.
حتى ذهب متردداً إلى موسى عليه السلام؛ يستفسر عن حالته العجيبة!.
فجاء إليه بالرد؛ فقال له: (ربك يخبرك السلام، ويقول لك: لقد فتح عليك
باباً؛ ففتحت أنت أربعة أبواب!.
ولن تكون أنت أكرم من مولاك!.
فيبشرك أن رحمته لن يمسكها، وأن عطاءه سيستمر وسيتضاعف!.
ولقد شرفك بحمل عطاياه إلى رعاياه!.
فأنفق يُنفق عليك!.
ولن يغلق باباً للخير أنت فتحته على عباده!؟).
ثم ...
د. حمدي شعيب
(29 أغسطس 2018م)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق