الأربعاء، 27 يونيو 2018

في بيتنا ... توم وجيري!؟


في بيتنا ... توم وجيري!؟
بصحبة زوجها الأستاذ المربي وطفلها ذي الربيع السابع؛ قصدتني وهي قلقة ومتوترة؛ على عكس زوجها الهادئ؛ أو كما يبدو ظاهرياً!.
وشكت لي حالة صغيرها والذي ترتيبه الرابع بين إخوته؛ أنه كان يعاني من صغره من مشاكل صحية عضوية؛ مثل الإخراج وقضاء الحاجة.
ولكن ما يقلقهم الآن؛ وهو الأهم؛ هو أن هذا الصغير في الصف الأول الابتدائي؛ ولكنه غير منسجم مع أقرانه؛ فهم يعتبرونه مختلفاً عنهم؛ لأنه يعاني من صعوبات في الكلام والنطق وفي السلوكيات التي تعتبر غير مناسبة مع عمره وعمرهم!.
على الرغم من ذكائه وسرعة تحصيله الدراسي!؟.
فنصحتهما أولاً؛ ألا يظهرا عيوبه ومشاكله وهو معنا؛ حتى لا يتأثر نفسياً؛ فنعمق حالته!.
فطلبت من الممرضة، ان تأخذه ليجالس أخواته خارج المكتب، وليلعب ببعض اللعب في المركز!.
على أساس أن الكشف سيتم على والديه!.
وعلى أن يدخل بعد ذلك لنفحصه مثلهما، ولنضحك معه!؟.
وعرفت أن زوجها يعمل مدرساً وطوال الوقت هو مشغول في عمله كعادتنا، ولا يجالس أو يصاحب أولاده إلا نادراً وكالعادة!؟.
وهي نظراً لانشغالها مع إخوته؛ فقد سلّمته لقنوات الأطفال والكارتون طوال اليوم في أخطر سنوات تشكيل العقليات والسلوكيات؛ وهو عمر ما قبل الست سنوات!؟.
وطمأنتهما بعد أن اتفقنا على أننا سسنتعاون معاً في علاجه من هذه الحالة؛ لأنه سيحتاج إلى اختصاصي نفسي أطفال، ولبرامج تحسين النطق وتعديل السلوكيات!.
وهو مجال أو منطقة مرعبة وشائكة لكل الأسرة مادياً ومعنوياً ونفسياً؛ لأنها غالباً من يقوم عليها أشخاصاً ليسوا من الأطباء، وفيه من التجاوزات الكثير؛ إلا من رحم ممن يتقون الله في أموال ونفسيات العباد!.
والركيزة الأساسية في نجاحه؛ إنما يعتمد بعد الله؛ على وعي وجهد وطول نفس وثقافة الوالدين!؟.
وذلك بعد القيام ببعض الفحوصات المخبرية لعلاج بعض المشاكل العضوية مثل (الأنيميا)!.
وأفهمتهما أنه ليس به مشاكل صحية سوى هذا الحصاد من (الرهاب الاجتماعي) وضعف التواصل مع الآخرين!؟.
وذلك بسبب إهمالهما له وعدم دمجه مع أقرانه في صغره، وسيطرة الألعاب والبرامج الكارتونية على أفكاره وبالتالي سلوكياته!؟.
وما أذهلني أننا لا نقدر التأثير الخطير الذي تبنيه هذه البرامج والألعاب من أفكار في العقل الباطن وبأساليب جهنمية شيقة للصغار؛ فتصوغهم بطريقة غير مباشرة على ثقافات وأفكار وسلوكيات لا تناسب مجتمعاتهم ولا أفكارهم ولا عاداتهم!؟.
فما يربي النشء إلا الاندماج مع الأقران لبناء الجانب الاجتماعي والأخلاقي في الأبناء!.
فمن أهم ما يؤثر في تربية الأطفال؛ هي الشلة والصحبة!.
والأهم هو مجالسة الكبار!؟.
وتذكرت كيف كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يحرص على مشاركة الأطفال مجالس الكبار وتحميلهم المسؤوليات وتعويدهم الحوار والسماع لهم بل والأخذ برأيهم:
  "روى ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، قَالَ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، فَبَعَثَنِي إِلَى حَاجَةٍ، فَأَبْطَأْتُ عَلَى أُمِّي، فَلَمَّا جِئْتُ، قَالَتْ: مَا حَبَسَكَ؟!.
قُلْتُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَةٍ.
قَالَتْ: مَا حَاجَتُهُ؟.
قُلْتُ: إِنَّهَا سِرٌّ.
قَالَتْ: لَا تُحَدِّثَنَّ بِسِرِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا.
قَالَ أَنَسٌ: وَاللَّهِ لَوْ حَدَّثْتُ بِهِ أَحَدًا لَحَدَّثْتُكَ يَا ثَابِتُ". [صحيح مسلم]
وهي حادثة فريدة، رواها أنس لثابت البناني رضي الله عنهما، يعلمنا صلى الله عليه وسلم من خلالها، الكثير من الدروس التربوية الطيبة؛ والتي منها:
1-أهمية الترفيه واللهو للأطفال.
2-يجب تقدير الناس ولو كانوا غلماناً، بالذهاب إليهم والسلام عليهم.
3-كيف التقط أنس من بينهم لعلمه بقدراته والتي من أهمها حفظ السر.
4-كيف انتدبه لمهمة سرية لا أحد يعلم بها إلى الآن بل ولم يرشح لها أحداً من كبار الصحابة رضوان الله عليهم!.
5-أهمية دور الأطفال في المهام الكبار، والتغيير الحضاري.
6-دور الأم والمرأة عموماً في التربية، وتعاونها الراشد في الإعداد والتهيئة.
7-إقرار مبدأ: فن الاستثمار في الأبناء.
قارن ذلك بما أذهلني من خلال كلام الأم؛ من أن هذا الصغير يجلس بعض الأوقات ليحاور نفسه ويكلم نفسه؛ بل وينادي نفسه بإسمه!؟.
وما هي إلا رسالة نازفة خطيرة؛ أن هذا الصغير المسكين يفتقد من يكلمه ويحاوره ويفهمه ويهتم به!.
والرسالة الأخطر أنه ذات يوم غضب منهم؛ فأحضر عصاة طويلة ووضع بأحد أطرافها منديلاً به بعض الملابس والطعام، وحملها على كتفه وخرج مسرعاً غاضباً من البيت إلى الشارع؛ تماماً وطبق الأصل كما يهرب، وبالضبط كما يعدو، وبنفس سلوكيات وأصوات (توم وجيري)!؟.
ولا حول ولا قوة إلا بالله!.







ثم ...
د. حمدي شعيب
(27 يونيو 2018م)

ليست هناك تعليقات: