(قرآن ... ورجال)
"آنتَ وحشيٌّ؟".
قلت:
نعم.
قال:
"أنت قتلتَ حمزة؟".
قلتُ:
قد كان من الأمر ما بلغَك
َقال:
"فهل تستطيع أن تغيِّب وجهَكَ عنِّي؟".
قال:
فخرجتُ". (البخاري)
كلمات نازفة في موقف نازف؛ قالها الحبيب صلى الله عليه
وسلم.
وذلك لأن مجرد رؤيته ولو لصحابياً جليلاً وقد حسن
إسلامه؛ تذكره بمرارة أحد ومرارة استشهاد عمه الحبيب أسد الله حمزة بن عبد المطلب
رضي الله عنه.
لذا
فإن من أعجب أسرار العقل البشري هو ظاهرة (الرابط
الذهني).
وهي
أنك إذا حدث لك أمر أو حادثة معينة ما سواء كان سعيدةً أم العكس وكان الشاهد هو
وجودك في مكان معين أو مع شخص معين أو أثناء سماعك لصوت أو أغنية أو موسيقى أو
أثناء مشاهدتك لصورة أو منظر معين!.
فإنك
ولو بعد مدة ولو لعقود مررت بهذا الشاهد أو سمعته أو شاهدته أو تذكرته؛ فسوف
يستدعي عقلك الباطن تلك الحادثة التي حدثت لك أثناء حضور هذا الشاهد؛ وكأنك تراه
وتسمعه في لحظة حدوثها!.
فلقد
ارتبط الحادث ذهنياً داخل عقلك الباطن بهذا الشاهد سواء كان هذا الشاهد ماديأ أو
معنوياً كما ذكرنا!.
لذا
كانت أجمل ما نحمله داخلنا هو ذكريات خاصة جميلة؛ يذكرنا بها شهود تلك الذكريات!.
لذا
فإننا نسمي ذكرياتنا الجميلة خاصة الشبابية باسم (أيام
الزمن الجميل)!؟.
وهذا
سر حبنا لشهود أحداث ذكرياتنا الجميلة؛ مثل رومانسيات أفلام الأبيض والأسود،
وأغاني أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش وعبد الحليم وغيرها!؟.
لدرجة
تثير استغراب أبنائنا وشبابنا!؟.
وكذلك
دوماً نحاول المحافظة على صداقات الطفولة والشباب والدراسة !؟.
وأيضاً
شهودنا المكانية؛ مثل مسقط رأسنا ومنتزهات كانت شاهدة على عصر ذكرياتنا الجميلة!.
ومع
هذه الشهود نتذكر ذكريات وأيام الزمن الجميل!؟.
فالسر
أننا نحب ذكريات وأيام الزمن الجميل وليس لهذه الشهود بذاتها!؟.
ولكن
ذاكرتي الستينية لها شأنٌ جميل آخر!؟.
فإن
أعجب شهودي؛ ومن أروع ما تختزنه ذاكرتي في مسيرتي الستينية؛ هم مجموعة من الأماكن
والشخصيات التي قابلتها أو عاملتها أو عايشتها وأثرت في مسيرتي والتي ربطت ذاكرتي بعلاقتي
بمولاي وبالقرآن الكريم وببعض التوجيهات وبعض أعمال الخير التي نصحونا بها
وعلموناها وربونا عليها!؟.
فهناك
مساجد وأماكن عايشت شبابي وبداية التزامي؛ وستشهد يوم القيامة على ما صنعنا فيها
وآثارنا التي تركناها واستمرت بعدنا!؟.
ولعلها
من باب: "وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا
وَآثَارَهُمْ". (يس12)
إنا
نحن نحيي الأموات جميعًا ببعثهم يوم القيامة, ونكتب ما عملوا من الخير والشر,
وآثارهم التي كانوا سببًا فيها في حياتهم وبعد مماتهم من خير, كالولد الصالح, والعلم
النافع, والصدقة الجارية, ومن شر, كالشرك والعصيان, وكلَّ شيء أحصيناه في كتاب
واضح هو أمُّ الكتب, وإليه مرجعها, وهو اللوح المحفوظ. فعلى العاقل محاسبة نفسه;
ليكون قدوة في الخير في حياته وبعد مماته.
وهناك
شخصيات بعضهم رحلوا عنا؛ وبعضهم لا يزالون أحياءً؛، ولكننا تفرقنا؛ وبقيت داخلنا
شهاداتهم وآثارهم!؟.
ولأن
الحي لا تأمن فتنته؛ فسأذكر على سبيل المثال لا الحصر فقط اثنان من الأحباب الذين رحلوا؛
ولكن كلما مررت على بعض آيات القرآن في وردي القرآني اليومي؛ فأتذكرهم وأقف لحظات
لأدعو لهم؛ حتى يجمعنا لقاء في ظله يوم لا ظل إلا ظله!؟.
أولهما:
أستاذي وشيخي المربي الكريم رحمه الله؛ الذي سمعت منه معنى لم أجده في كل التفاسير
حول مطلع (سورة الأنفال): "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ". (الأنفال1)
فقال
لي: (لا يشغلنك أن كلمة "يَسْأَلُونَكَ" فعل مضارع وغيره؛ ولكن
تامل كيف أن مجموعة من البدو كانت تقوم بينهم الحروب مثل داحس والغبراء لعقود؛ ثم
فجاة ينتصروا على ظالميهم وقاتليهم وطارديهم، ويغنموا أسلابهم الثرية؛ ثم يختلفوا
ويتنازعوا فيها؛ فيعودوا للمرجعية التي تفصل بينهم وتنزعها من أيديهم حتى يفصل
ربهم فيها؛ فيذكرهم بأخوتهم الإيمانية ثم متأخراً يقرر كيفية توزيع تلك الغنائم وفي
الآية: "وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ". (الأنفال41)
لذا
فأنا أدعو لهذا المربي الجليل كل صلاة مع والديَّ الكريمين رحمهم الله جميعاً.
أما
ثانيهما: فهو أخي الفاضل الحاج علي وهب رحمه الله والذي قام بنا ذات سحر بالمقطع الذي يبدا بالآية: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا
عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ
يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (الزمر 53)
وكلما مررت عليها تذكرته ودعوت له ولمن حضر.
أما ثالثهما: حبيبي م. جمال مصطفى رحمه الله؛ والذي كان من أقرب وأحب من عايشتهم في
الخليج؛ ولكنني كلما مررت على هذه الآية: "وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ
لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ". (الأنعام59) ؛ فإنني أتذكره؛ لأنه كان
يداوم على ترديدها.
وغيرهما
أحباب كُثر؛ يعرفون أنني أحبهم والله يعرفهم، نسأل الله إن لم يجمعنا بهم في الدنيا؛
فنرجوه أن يجمعنا في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
ولكن
ما يسلينا ويخفف عنا؛ أننا نلتقي دوماً عند السحر وفي سجدات السحر وفي قنوتنا!؟.
وهكذا
نحن مسافرون في قطار هذه الحياة.
يرافقنا
البعض ويتركنا البعض حتى نصل إلى محطتنا الأخيرة؛ فنغادر ويواصل القطار رحلته بغيرنا.
وبعض
المسافرين الذين تقابلهم يضعون بصمتهم على حياتك، وينحتون آثاراً في داخلك أعمق من
نحت الصخور!.
لذا
قلما تنساها!.
بل
وتظل علامة جلية تؤثر على مسيرتك وعلى كل من يقابلك!.
ويالا
سعادة من كانوا رجالاً تركوا في داخلنا آثاراً وبصمات؛ يذكرنا بهم قرآننا!؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق