الثلاثاء، 2 أبريل 2019

راح وسابنا يا لينة!؟

وداعاً أيها الغريب
راح وسابنا يا لينة!؟
ذات يوم في معرض الكتاب الدولي بالقاهرة؛ شاهدت أحد كبار الإعلاميين اللامعين في (طبعته الأولى) يجلس وحيداً في حفل توقيع كتابه الذي تعب في الدعاية له؛ لعله كان يريد به الحظوة عند من بيدهم رزقه ووضعه!؟.
أما (د. أحمد خالد توفيق) رحمه الله الرقيق الخلوق فكنت لا أستطيع رؤيته من شدة الزحام خاصة الشباب، ومنهم أبني الأصغر (أحمد)!.
الذي وقع له عى إحدى رواياته!؟.
كما فعل من قبل مع إخوته!؟.
فصافحته وشكرته على أثره الطيب على أسرتي فابتسم في خجل وتواضع غير مصطنع.
لذا كانت صدمتي بالغة عندما رحل عنا في يوم حزين وهو (2 إبريل 2018)!.
فكنت كمن ضاع منه مجدافه وهو يصارع أمواج حياته العاصفة المغرقة المهلكة؛  فهتف بألمٍ نازفٍ باكٍ:
(مولاي ماذا صنعنا وما هو الذنب الذي أجرمناه لنفتقد أعز من نعتز به بينما تؤلم عيوننا في كل وجه وكل صوب رؤية ملايين الشخوص البائسة المقززة والتي أشبه بالمومسات التي عوقب بمجرد رؤية إحداهن جريج عابد بني إسرائيل عندما عق أمه كما حذرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح؟!.
وذلك عندما فضل صلاته عن تلبية ندائها!؟.
"فقالت: اللهم لاتُمِتْهُ حتى ينظر إلى وجوه المومسات". [متفق عليه]
وهن الزاواني والعياذ بالله!.
فلعله ما نراه هو عقاب إلهي على ذنوب ارتكبناها!؟.
إنها من المرات القليلة التي بكيت فيها على راحل ليس من أقاربي!.
أبكي الجميل الذي عشق أولادي القراءة بسببه!.
أبكي الرمز الجميل الذي أحبه أولادي واعتزوا بلقائه وصورهم معه وملأوا مكتبة البيت بمؤلفاته الرفيعة!.
أبكي من كنت اطمئن على عقل أولادي وهو يُصاغ بين يدي أدبه ورواياته الرفيعة علمياً والشيقة أدبياً!.
أبكي من أوصى بأن يُكتبُ على قبره ما عاش له وحققه فنُفّذت وصيته: (جعل الشباب يقرأون!؟).
أبكي النبيل الذي لم يُلوّث في زمن التلوث!.
أبكي من لم يسترزق بقلمه ولم يداهن بأدبه ولم ينافق بكلماته!.
أبكي الشامخ في زمن الانكسار؛ فنصر المظلومين في قضيتهم وتأثر بمحنتهم!؟.
أبكي هذه الزهرة الرقيقة التي ذهبت تاركه محبيها في هجير صحراء الكذب والغش والسقوط والانكسار!.
أبكي من قال عنه ابني (أحمد)؛ ان زميله دخل في امتحان الشفوي في (كلية طب اسكندرية) فأجاب إجابه أبهرت الممتحن والتي اعترف الأستاذ له أنه لا يعرفها!.
والمفاجأة أن زميل ابني أسرّ إليه وأخبره أنه أجابه من خلال قراءته لأحدي قصص الرفيع المبدع!؟.
أبكي استاذ طب المناطق الحارة الذي حوّل علمه إلى أروع روايات الخيال العلمي!.
أبكي (الغريب) الذي أثبت أنه دوماً يذهب الكرام ويبقى اللئام!.
أبكي من حرصنا على (صلاة الغائب) عليه بعد فجر اليوم في البيت بل وكررناها مرتين لعل الله يرحمه ووالدينا وموتى المسلمين وأن يجعل قبورهم روضة من رياض الجنة!.
أبكي من صمم ابني د. خلاد على تحمل وعثاء السفر ليشارك الآلاف من محبيه لحضور جنازته وتوديعه الوداع الأخير!.
أبكي من أحزنني الصدمة التي أصابت محبيه على اختلاف أعمارهم وأطيافهم وألوانهم واتجاهاتهم خاصة أهل بيتي الأحباب!.
أبكي من مات ونحن شباباً وشيوخاً ومن كل الأعمار في حاجة لقلمه النظيف ورأيه الشريف في زمن الزيف!.
أبكي من تأثرت كثيراً بحوار ابنتي مع صديقاتها حول صدمتهن فيه والتي آلمتني إحداهن بشكواها لابنتي وقد ترجمت كل كلامنا ونعينا ولخصت ببراءة كل مشاعرنا واختزلت كل ما حاولنا به من وصف لمصيبتنا فيه:
(راح وسابنا يا لينة!؟).
حقاً بُنياتي لقد صدقتن؛ فقد رحل وتركنا جميعاً ليصدق فينا قول الشاعر (أبو الأسود الدؤلي):
(ذَهَبَ الرِجالُ المُقتَدى بِفِعالِهِم ... وَالمُنكِرونَ لَكُلِّ أَمرٍ مُنكَرِ
وَبَقيتُ في خَلَفٍ يُزَكّي بَعضُهُم بَعضاً ... ليَدفَعَ مُعوِرٌ عَن مُعوِرِ
فَطِنٌ لِكُلِ مُصيبَةٍ في مالِهِ ... وَإِذا أُصيبَ بِعِرضِهِ لَم يَشعُرِ)
فاللهم ارحمه واجزه عنا وعن أولادنا وشباب أمتنا خير الجزاء واجعله العمل الصالح الذي ينفعه في قبره ويؤنس وحشته في عقبه من الغابرين ويتقبل شهادتنا له وشفاعتنا له ونحسبه كذلك ولا نزكيه على الله.
فلعل شهادتنا وحبنا له وثناءنا عليه يصدق المقولة (ألسنة الخلق أقلام الحق).
ولعلها إجابة الدعوة الإبراهيمية الجليلة: "وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ". (الشعراء84(
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
اللهم آجرنا في مصيبتنا في (العرَّاب) واخلف لنا خيراً منها!).
(الثلاثاء 3 إبريل 2018م)



ثم ...
د. حمدي شعيب
(2 إبريل 2019م)

ليست هناك تعليقات: