الاثنين، 11 مارس 2019

وكما تزرع ستحصد!

وكما تزرع ستحصد!
خرجت من صلاة الفجر؛ لأستمتع بقصة عجيبة قصها عليَّ؛ بعيون دامعة مستبشرة؛ أحد الأحباب المقربين، ومن صحبة الفجر المباركة!.
وكان سعيداً جداً ومتهلَلاً ومتأثراً بحكايته؛ مثلي أيضاً!؟.
لأنها تؤكد له ولي ولمن عرفه؛ صدق ما كان يؤمن به، ويدعو إليه، ويبثه في نفوس أولاده، ومن أحبهم وأحبوه وكل من حوله؛ حتى أنا كصديق مقرب إليه منذ عقود!.
فكم كان يدعو ويؤكد على قناعات تربوية اكتسبها من خبرته الستينية!.
وأهمها كما علمنيها؛ أن البركة في الرزق والسعة فيه؛ إنما تقوم على ثلاث قواعد مهمة جربها هو وعاشها وذاق ثمارها، وورثَّها لأولاده ولكل من أحبه:
الأولى: تحري الحلال.
الثانية: بر الوالدين.
الثالثة: صلة الرحم.
والقناعة الثانية؛ هي أن الرزق ليس مالاً فقط!؟.
فلو كان مالاً فقط لضاق مفهوم الرزق في الأرض!؟.
بل هو زوجة صالحة تسكن إليها، وصحة لا تقعدك في كهولتك، وولد صالح يبرك، وصحبة في الله تعينك على الطاعة؛ خاصة في نهايات العمر، وحرية وعافية وشعور بالأمن، و...!؟.
أما الثالثة والأخطر؛ فهي أنه كما تدين تُدان!؟.
أو كما تزرع ستحصد!.
أو هي السنة الإلهية والقاعدة الشرعية والإنسانية والاجتماعية؛ أن الجزاء من جنس العمل!.
حتى أن هذه القاعدة الأخيرة؛ قد عاشها حتى أصبحت قاعدة وميزان يضبط به كل تعاملاته!.
فمن جانب تكون ميزاناً ورادعاً يمنعه عن فعل أي شيء يضر الآخرين؛ لتيقنه العميق أن الأيام دول، وأنه سينعكس عليه وعلى صحته وعلى أهله وذريته وماله؛ بل وعلى كل ما يمتلك وكلا ما ومن يحب!.
ويذكرني بمقولة مؤلمة ومرعبة لجبران خليل جبران:
(كما تَدينُ تُدان!؟.
إن لم يكن بنفس الموقف؛ فسيكون بنفس الألم!؟).
ومن جانب آخر كانت هذه القاعدة؛ دافعاً وتحفيزاً له لفعل كل ما خير للآخرين؛ لعلمه أن ربه سيجازيه مثله أضعافاً مضاعفة عاجلاً أم آجلاً؛ مثل بر الوالدين وجبر الخواطر وكل ما يسعد الآخرين!.
وكم من قواعد قرآنية تؤكد هذا المعنى؛ ونحن نتناساها؛ مثل:
كهذه الدعوة التحذيرية؛ أن تترك آثارك فهناك من يسجلونها:
وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهم. (يس12)
وهذه الرسالة الربانية الإيجابية المحفزة؛ وكأنها دعوة خاصة!.
فأنت بكل عمل صالح في حياتك إنما تمهد وتصنع رصيدك بنفسك لتجهيز مكانتك في الجنة.
إذن هي مسؤوليتنا الذاتية!:
وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ“. (الروم44)
وهناك يوم سنستلم فيه سجل مسيرتنا الحياتية، وكتاب دقائق أعمالنا بيميننا أو بشمائلنا!.
لنجدها حاضرة ومسجلة بلا ظلم!.
وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً. (الكهف49)
ونعود لصديقي الحبيب؛ الذي كان من عادته؛ كما صاحبته وعرفته؛ أنه يجعل في كل مشروع يبدأه نصيباً ثابتاً لله كصدقة جارية؛ أو كما ينصحني؛ أن أشارك ربي في كل ما أكسبه؛ لتكون شراكة مباركة!.
ثم فضفض لي؛ من خلال دموعه:
(سبحان الله وبحمده!.
منذ فترة شرعت في مشروع تجاري جديد سيدر عليَّ بعون الله دخلاً مباركاً وربحاً طيباً!.
فناقشت زوجتي واتفقنا؛ أننا بعون الله وبركته؛ سنجعل نصيباً من دخل هذا المشروع المستقبلي؛ صدقة جارية على روح والديَّ رحمهما الله!.
تخيل يا صديقي؛ مجرد نيتنا للتصدق على روح والديَّ؛ لأبرهما بعد موتهما؛ فإننا فوجئنا بثمار هذه الصدقة الجارية تأتينا سريعاً وعاجلاً؛ لتنفعنا في حياتنا قبل مماتنا!؟.
وصدق ربي في الحديث القدسي:
"وإِذَا أَتَانِيِ يَمْشِيِ أَتَيْتَهُ هَرْوَلَة". (البخاري)
فلقد أرسل إليّ أحد أبنائي الأحباب؛ والذي هاجر منذ سنوات؛ يبشرنا بما أبكانا أنا ووالدته؛ فسجدنا شكراً لله، ونحن ندعو له بدموع بللت الأرض، ونردد بدعاء واحد وليد اللحظة:
اللهم اجبره، اللهم اجبره، اللهم اجبره؛ كما جبرنا!؟.
حيث قال في رسالته الطيبة المباركة:
والديَّ الكريمين؛ لقد اتفقت مع مؤسسة خيرية لحفر بئر برقم [...] في أحد بلدان أفريقيا؛ لتكون صدقة جارية لكما، وباسمكما أنتما الإثنين معاً!!!؟).
(الأحد 10 مارس 2019م)








ثم ...
د. حمدي شعيب
(11 مارس 2019م)

ليست هناك تعليقات: