(أروع تشخيص لطبيعتنا البشرية ... وعلاجها!)
"ما من عبدٍ مؤمِنٍ إلَّا وله ذنبٌ،
يعتادُهُ الفينَةَ بعدَ الفينَةِ،
أوْ ذنبٌ هو مقيمٌ عليه لا يفارِقُهُ.
حتى يفارِقَ الدنيا.
توَّابًا.
نَسِيًّا.
إذا ذُكِّرَ ذكَرَ". (الطبراني والبيهقي وصححه الألباني)
بيَّنَ لنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحْوالَ المؤمنينَ مع اللهِ.
وأَوضَحَ أنَّ المؤمنَ بَشرٌ يُصيبُ ويُخطئُ،
ولكنَّه يعودُ إلى اللهِ سُبحانَه.
فإنَّ كلَّ مؤمنٍ لا مَحالةَ واقعٌ في الأمْرِ.
وهذا مِن بابِ النَّقصِ الإنسانيِّ الذي يَعتَري كلَّ البَشرِ!.
ومعنى ...
"يَعتادُه الفَينَةَ بعدَ الفَينَةَ":
أي يُقلِعُ عن الذَّنبِ، ثُمَّ يُعاوِدُه، فيَقَعُ فيه حينًا بعدَ آخَرَ، ويَفعَلُه على سَبيلِ العادةِ المُتقطِّعةِ!.
"أو ذَنبٌ هو مُقيمٌ عليه، لا يُفارِقُه":
فهو دائمُ الوُقوعِ فيه، وهذا مِن بابِ الغَفلةِ!.
"حتى يُفارِقَ الدُّنيا":
أي يكونُ على تلك الحالِ حتى يَأتيَه المَوتُ.
"إنَّ المؤمنَ خُلِقَ مُفتَّنًا":
أي مُمتحَنًا يمتحِنُه اللهُ بالبَلاءِ والذُّنوبِ والفِتَنِ.
"توَّابًا":
يُكثِرُ مِن التَّوبةِ إلى اللهِ بعدَ كلِّ ذَنبٍ.
"نَسيًّا":
أي أنَّه يَنسى بعضَ ما يجِبُ فِعلُه كما نَسيَ أبوه آدَمُ مِن قبلُ!.
ولكنَّه مع ذلك ...
"إذا ذُكِّرَ؛ ذكَرَ!":
والمُرادُ أنَّه إذا ذُكِّرَ باللهِ وعِقابِه؛ تذكَّرَ فيَرجِعُ عن ذَنبِه!.
فيَكونُ المعنى: أنَّه يَتوبُ، ثُمَّ يَنسى فيَعودُ، ثُمَّ يَتذكَّرُ فيَتوبُ، فكلَّما وقَعَ في الذَّنبِ؛ لم يَيأَسْ، بل يُسرِعُ الرُّجوعَ بالتَّوبةِ إلى اللهِ.
والحديثُ إخبارٌ عن حالِ العَبدِ وضَعفِه.
ولذا قال اللهُ تعالى:
"وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا". (النساء: 28)
وليَعرِفَ كلُّ مُسلمٍ ومؤمنٍ أنَّه لا حَولَ له ولا قوَّةَ إلا باللهِ.
فعليه أنْ يُجدِّدَ التَّوبةَ إلى اللهِ.
ويَتبرَّأَ مِن الحَولِ والقوَّةِ للبَشرِ إلى الدُّخولِ في حَولِ اللهِ وقوَّتِه خالقِ البَشرِ .
(وبالاستغفار ننهض من كبواتنا!؟)
فلماذا نفرّط في ورد الاستغفار اليومي؟!.
ولو لمرات معدودة لعلها هي المنجية!.
ولعلها تشفع لنا يوم الدين في حضرة الديّان!.
ولنتفاءل ونحسن ظننا بمن لا يوصد بابه!.
ويفرح بأوبة كل أوّاب رجّاع!.
ولنتدبر كيف نصح نوح عليه السلام قومه واصفا ربنا بأنه غفار أي كثير المغفرة لعبادة؟!:
"فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا". (نوح١٠)
وكيف وصف ربنا نفسه سبحانه بأنه تعهد برحمة عباده؟!:
"كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ". (الأنعام٥٤)
وما أجمل هذه الهدية الراقية:
"جاء رجلٌ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
فقال: واذنوباه!.
واذنوباه!.
فقال هذا القوْلَ مرَّتَيْن أو ثلاثًا.
فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
قلِ:
اللَّهمَّ مغفرتُك أوسعُ من ذنوبي ...
ورحمتُك أرجَى عندي من عملي.
فقالها.
ثمَّ قال: عدْ.
فعاد.
ثمَّ قال: عدْ.
فعاد.
ثمَّ قال: قمْ فقد غفر اللهُ لك". (المنذري في الترغيب والترهيب وإسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما والحاكم والبيهقي)
استغفر الله العظيم الذي لا إله هو الحي القيوم وأتوب إليه ...
عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.
ثم ...
د. حمدي شعيب
(14 يناير 2023م)
(14 يناير 2023م)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق