أرض
القداسة ... ورمز الطهارة!
"وَإِذْ
قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ
جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ
أَحَدًا مِّن الْعَالَمِينَ. "يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأرْضَ المُقَدّسَةَ
الّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدّوا عَلَىَ أَدْبَارِكُمْ
فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ". [المائدة 20-21]
إنها كلمات نورانية
تبين (تحريض موسى عليه السلام لبني إسرائيل على الجهاد والدخول إلى بيت المقدس
الذي كان بأيديهم في زمان أبيهم يعقوب لما ارتحل هو وبنوه وأهله إلى بلاد مصر أيام
يوسف عليه السلام ثم لم يزالوا بها حتى خرجوا زمان موسى فوجدوا فيهـا قوماً من
العمالقة الجبارين قد استحوذوا عليها وتملكوها فأمرهم رسول الله موسى عليه السلام
بالدخول إليها وبقتال أعدائهم وبشرهم بالنصرة والظفر عليهم فنكلوا وعصوا وخالفوا
أمره فعوقبوا بالذهاب في التيه والتمادي في سيرهم حائرين لا يدرون كيف يتوجهون إلى
مقصد مدة أربعين سنة عقوبة لهم على تفريطهم في أمر الله تعالى فقال تعالى مخبراً
عن موسى عليه السلام أنه قال: "يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة"؛ أي
المطهرة). [تفسير القرآن العظيم: ابن كثير]
واستشعر معي (في
كلمات موسى عليه السلام إشفاقه من تردد القوم ونكوصهم على الأعقاب. فلقد جربهم من
قبل في مواطن كثيرة؛ في خط سير الرحلة الطويل.
ثم ها هو ذا معهم على
أبواب الأرض المقدسة. أرض الميعاد التي من أجلها خرجوا. الأرض التي وعدهم الله أن
يكونوا فيها ملوكاً, وأن يبعث من بينهم الأنبياء فيها ليظلوا في رعاية الله
وقيادته.
لقد جربهم فحق له أن
يشفق, وهو يدعوهم دعوته الأخيرة, فيحشد فيها ألمع الذكريات, وأكبر البشريات, وأضخم
المشجعات وأشد التحذيرات؛ نعمة الله، ووعده الواقع من أن يجعل فيهم أنبياء ويجعلهم
ملوكاً. وإيتاءه لهم بهذا وذلك ما لم يؤت أحداً من العالمين حتى ذلك التاريخ.
والأرض المقدسة التي هم مقدمون عليها مكتوبة لهم بوعد الله؛ فهي إذن يقين. وقد
رأوا من قبل كيف صدقهم الله وعده. وهذا وعده الذي هم عليه قادمون. والارتداد على
الأدبار هو الخسران المبين). [في ظلال القرآن: سيد قطب]
ولقد (اختلفوا في
الأرض المقدسة، قال مجاهد: هي الطور وما حوله، وقال الضحاك: إيليا وبيت المقدس،
وقال عكرمة والسدي: هي أريحاء، وقال الكلبي: هي دمشق وفلسطين وبعض الأردن، وقال
قتادة هي الشام كلها، قال كعب: وجدت في كتاب الله المنزل أن الشام كنز الله في
أرضه). [البغوي ـ تفسير آية المائدة 21]
أرض القداسة
والطهارة ... لا يستحقها إلا الأطهار؟!:
وكما أوردنا أن هذه
الأرض المباركة المقدسة الطاهرة؛ تبارك وتحتضن من يسكنها من المؤمنين المحسنين
الصالحين؛ وتنفي خبثها؛ فلا تبارك الظالمين وتطردهم وتلفظهم؛ كما جاء في تفسير هذه
الآيات:
"وَبَشّرْنَاهُ
بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مّنَ الصّالِحِينَ. وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىَ
إِسْحَاقَ وَمِن ذُرّيّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لّنَفْسِهِ مُبِينٌ".
[الصافات112-113]
فهي إذن مقدسة
ومباركة للمباركين، وطاهرة للأطهار للمحسنين!؟.
لذا (إن ما يستوقف
الباحث عن مكان الأرض المقدسة التي ذكرها الله في كتابه على لسان موسى عليه السلام
وهو يخاطب قومه؛ ليدرك أن الأرض المقدسة التي أمرهم بدخولها؛ هي أرض فلسطين، حيث
كانوا مقيمين في صحراء سيناء وقتها.
لقد كانت كتابة الأرض
المقدسة لبني إسرائيل زمن موسى عليه السلام؛ هي كتابة خاصة، في زمن خاص، لجيل خاص،
لعلة خاصة، وليست كتابة أبدية عامة جنسية لليهود باعتبارهم يهوداً، حتى قيام
الساعة، كما يزعم يهود هذا الزمان.
لقد كانت كتابة الأرض
المقدسة فلسطين لذلك الجيل المؤمن من بني إسرائيل لإيمانهم وفضلهم على الكافرين
الذين كانوا في زمانهم؛ فلما تخلت الأجيال الجديدة بعد ذلك الجيل المؤمن، وخالفوا
شروط الاستخلاف، ونقضوا عهد الله وكفروا وبغوا، أوقع الله بهم لعنته وسخطه، نزع
الله هذه الأرض منهم، وأوصل إرثها إلى الأمة الإسلامية، الأمة المباركة، وحين وصل
هذا الإرث إلى أمة الإسلام، عمت البركة هذه الأرض وما حولها "إِلَىَ
الْمَسْجِدِ الأقْصَى الّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ". وشملت كل البقعة
المباركة، الممتدة ما بين النهرين الإسلاميين: الفرات والنيل.
ولهذا رأى رسول الله
صلى الله عليه وسلم هذين النهرين ينبعان من الجنة؛ لما صعد إلى السماء السابعة في
أثناء رحلة الإسراء والمعراج). [الأرض المقدسة بين الماضي والحاضر والمستقبل:
إبراهيم العلي]
ثم ...
استمتع بالمزيد من (فلسطينيات) على هذا الرابط
ثم ...
للمزيد من (مقالات منشورة على شبكات ومواقع)
د. حمدي شعيب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق