الخميس، 2 فبراير 2017

هل جربته ... حتى لا تحترق جنتك؟!



هل جربته ... حتى لا تحترق جنتك؟!

ذات يوم منذ سنوات وفي أحدى ليالي الاعتكاف في مسجد عطا في دمنهور جلس معي صديقي أثناء السحور، وقد وجدته مهموماً بسبب ديون ظُلِمَ فيها أثناء تجربته في الخليج!.

وقد هالني أنه يفكر في عرض أحد مشروعيه الناجحين والذين يتميزان بأنهما في أحسن شارع تجاري ودخلهما عالي والحمد لله!؟.


فعرضت عليه بدلاً من البيع أن أدله على شريك مضمون وكريم ولا يخون ولا يخذل ولا يطمع؛ كما جربته شخصياً!؟.

فأسرع قائلاً؛ وكأنني نشلته من غرقه في بحر ضائقته: (من هو أرجوك؟!).

فقلت له بثقة: (إنه مولاك الكريم الحنان المنان الذي يستضيفنا الآن!؟.

فاجعل من دخلك نسبة معينة مثلاً (5%) أو (10%) وسيذهلك حلول بركاته، وسيقضي دينك، وسيحفظ مالك وينميه ويغطي به زكاته بل وصدقاته!؟.

وجربه بيقين وثقة وحسن ظن؛ لأنه يعطي من يتيقن من عطائه!.

بل ويعطيك ما تتوقعه منه:

"فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِين"َ (الصافات87)

ومن شاركه في رخائه لن يتركه في شدائده!.

ولتنشئ مثلاً (صندوق الباقيات الصالحات).

فمن جرّب شراكة مولاه لن يضيعه.

لذا فلن يتركه!).

ثم ذكرته ـ وهو من حفظة القرآن الكريم ـ بقصة أصحاب الجنة التي وردت في (سورة القلم).

"إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ". (القلم17-39)

وكيف كان هناك رجلاً طيباً من اليمن له خمسة أو ثلاثة من الأبناء وكان يبكر في الذهاب إلى حديقته وكان قبل بيع الثمار يعطي الفقراء حقهم.

وقيل انه كان يقسم الثمار إلى ثلاثة أثلاث؛ ثلث لأسرته وثلث لله وثلث يعيده كبذور جديدة للزراعة.

وقيل أنه كان عند الحصاد يضع فرشته ويفردها تحت النخيل، ثم يرمي البلح فيتساقط عليها!؟.

فيجمع لنفسه الذي يتساقط على الفرشة!؟.

أما الذي يتساقط خارجها؛ فيتركه للفقراء والمحتاجين!.

فكانت البركة والخير يعمان حديقته!.

حتى جاء الأبناء التعساء من بعد أبيهم؛ فتمردوا على إحسانه؛ فذهبوا للحصاد صارمين مبكرين وهم يتخفون من الفقراء؛ حتى لا يتصدقون عليهم؛ فلا يستثنون؛ أي لم يقولوا إن شاء اللهّ وقيل أنهم لم يستثنوا نصيب الفقراء، وعندما اقتربوا منها وجدوها قد احترقت!؟.

وذكرهم أحدهم الأوسط عقلاً وحكمةً أن الله أسرع الحاسبين قد سبقهم بغضبه عليهم فاحترقت!؟.

ولعل أغلبنا خاصة ممن يمتلكون عيادات أو مراكز أو محلات أو مشاريع أو مؤسسات خاصة عندما يستلمون الإيراد من مرؤوسيهم آخر اليوم أو آخر الأسبوع؛ لا يتركون بعض (الفكة) البسيطة والقليلة لهم!؟.

أو عندما تنزل من سيارتك عند مسكنك؛ فتجد البواب او (الحارس) يستقبلك ويحمل حاجياتك؛ فلا تعطيه مثلاً بعضاً من (الفكة) أو من الفاكهة أو الخبز أو غيره؛ خاصة إذا كانت رائحته تتطاير في أنفه!؟.

أو عندما تذهب إلى (السوبر ماركت) وتقف عند (الكاشير) وتقف وتصمم أن تأخذ منه (النصف جنيه) وأنت تظن أنه صاحب (المول)، وتنسى أنه مجرد موظف يحاسبونه على (المليم)، ويا ويله إن كان عنده عجز!؟.

وألأنكى أننا عندما نقف عند (الكاشير)؛ غالباً لا نراجع (الفاتورة) وندفع العشرات أو المئات من الجنيهات بمنتهى الذوق و(الجنتلة)!؟.

ثم عندما نذهب لنشتري من بائعة مسكينة فقيرة تقف في السوق منذ الفجر في البرد وتحت المطر أو في الحر على قارعة الطريق لتبيع بعض ربطات الخضار مثل (الجرجير) أو (البيض)؛ فنساوم و(نتشطر) عليها!؟.

وتنتفخ مزهوّاً بانتصارك في (معركة البقدونس)!?.

وكذلك عندما نركن في ساحة (المولات) أو الفنادق؛ فنجد بعض العمال وهم يسارعون لمسح زجاج السيارة؛ فنتطاول عليهم ونقتر في بعض (الفكة) وننسى أنه قد يكون خريج جامعة ولا يجد إلا هذا الباب!؟.

فلِمَ لا نحتفظ ببعض هذه (الفكة) في جيوبنا والتي لن تغنينا؛ ولكننا سنجبر بها الكثير من الخواطر التي كسرها الفقر والدين والمرض؟!.

فقد تكون بالنسبة لهم سداً لباب الحاجة والعوَز!؟.

نسأل الله العافية!؟.

و"الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّه، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ". (الشيخان)

ألسنا بسلوكياتنا اليومية؛ نمارس نفس دور أبناء صاحب الجنة المتمردين على الإحسان دون أن ندري؟!.

وننسى أنها ولو من باب صدقة السر الخفية؛ أو (الخبيئة) التي تحفظ ماء وجه الآخرين؛ خاصة ممن لا يسألون الناس إلحافاً!؟.

وكم اتقينا الكثير من مصارع السوء في أنفسنا وزوجاتنا وأولادنا وأموالنا؛ ودفعناها بهذه (الفكة)!؟.

بل نتخفى ونهرب وكلٌ بطريقته؛ تماما ًمثل أبناء صاحب الجنة البخلاء حتى لا يزعجنا الفقراء؛ الذين ينتظرون ويعيشون على هذا الفتات الذي يتساقط من نخيل حدائقنا!؟.

خاصة إذا كانت من تلك الحدائق أو الجنان التي ورثناها عن آباء وأجداد!.

وقد تكون هذه الحديقة صحة أو زوجة أو أولاد أو مال أو مشروع أو علاقة أو راحة بال أو حرية أو أمن أو عافية أو ...!؟.

وكلها نعم؛ لم نجيد فن شكرها بالقليل!؟.

ثم نتعجب ونستغرب عندما نُفاجأ باحتراق بعض حدائقنا والعياذ بالله!؟.

بقي أن نقول أن سبب هذه الخاطرة؛ هي أنني منذ أيام قابلت صديقي الحبيب وقبل أن أتكلم؛ بادرني بحماس:

(معذرة لقد انشغلت وما أبعدني إلا الظروف القاهرة التي حالت بين تواصلنا حيث ذهبت معها ليالي الاعتكاف وحرمنا من المساجد.

ونسيت أن أبشرك؛ أن شريكي الكريم الجبار؛ قد جبرني وأكرمني أضعاف مضاعفة، وسدد عني ديوني، ورزقني من واسع فضله في مؤسستي.

لذا فلم ولن أفض الشراكة؛ بل وسأوصي أولادي بالمحافظة عليها!؟.

ولم تمر ليلة إلا وقد تذكرتك ودعوت لك بظهر الغيب.

فلقد عرّفتني بشريك من جرّب مشاركته فلن يتركه)!?

فقلت له: (كن ذكياً في التعامل مع مولاك ؛ أقصد شريكك الكريم؛ فلا تقل مؤسستي؛ بل قل حديقتي وجنتي!؟).

اللهم إنا نسألك العافية.

اللهم أجعلنا مفاتيحاً للخير مغاليقاً للشر.

اللهم قنا مصارع السوء في حدائقنا.

اللهم كما شاركناك في رخائنا؛ لا تتركنا في شدائدنا.

يا أعظم من شاركنا ويا أكرم من عاملنا ويا أحنّ من سترنا، ويا أغنى من تفضل علينا بنعم لم ولن نقدر على شكرها؛ بارك لنا في حدائقنا وجناتنا!.
 أصحاب الجنة
أ. د. عمر عبد الكافي حفظه الله




ثم ...
استمتع بالمزيد من خواطر مهاجرة على هذا الرابط
د. حمدي شعيب
(غرة جماد أول 1438هـ =2 فبراير 2017م)

هناك تعليق واحد:

رضي الله عنكم أستاذ . يقول...

جزاكم الله خيرا ولاحول ولاقوة إلا بالله *هو سبحانه أعلم وله الفضل والمنة ،والأمر إليه أولا وآخرا .ماذا أقول ؟؟؟؟