عندما خشيت أن ينزع مني النعم!
في صالة انتظار تجديد رخصة السيارة في
مرور العجمي كان من ضمن المنتظرين رجل مسن خفيف الروح حيث جلسنا نتجاذب أطراف
الحديث حول القصص القرآني.
حيث أخبرته أنني لي كتابين في هذا
المجال؛ وأعشق دور الأدب في التغيير!.
وقال أنه من (الورديان) وأن معناها من
(الورد) و(يان) أي ناحية فيكون المعنى (ناحية الورد).
ثم لمحت شاباً يجلس بجواره؛ قال لي:
وورد أيضاً أن معناها من (الورود) أي من الاستيراد لأنها ميناء.
ثم تطرق الحديث إلى أسماء أحياء (كرموز)
و(سموحة)؛ والتي سُمِّيَت بأسماء أشخاص؛ الذين ذهبوا؛ ولكن بقي الأثر!.
ثم سألني عن علاقة الأرق بأمراض
الكُلى!?.
ولما رأى استغرابي؛ ولماذا الكُلى?!.
فأخبرني خبراً صادماً مفزعاً؛ فهذا
الشاب الغض الخلوق يراجع مركز غسيل الكُلى كل أسبوع!!!.
ثم زاد في صدمتي بخبر آخر هزني؛ وهو أنه
بكلية واحدة مريضة!!!.
ثم أبتسم وهو يزيدني ألماً؛ بخبرٍ ثالثٍ
أبكاني؛ وهو أنه يستعد لعملية زرع كلية جديدة!!!.
فقلت له متأثراً: ومن هو ذلك المتبرع?!.
فقال بهدوء وثبات: إنه أبي الجالس
بجوارك!.
فقمت إلى والده الصابر الجميل الخلوق
وقبّلت رأسه وربتت على كتفيه!.
ثم أخبرني بابتلاء آخر يؤلمني كثيراً؛
فهو متزوج ولكنه لم يرزق بأطفال بعد!.
يااااالله عليك يا (أحمد) أتعبتني؛ حتى
استحقرت نفسي الهلوعة الجزوعة!?.
لقد ألجمني بصبره وروحه الطيبة الراقية
الراضية!.
وكأن الله لا يبتلي إلا نوعيات يختارها
ويحبها ويحبب عباده إليهم ويحببهم إلى عباده!.
بل ويجعل لهم القبول في السماء والأرض.
لذا أحببت أن نوطد علاقتنا بتبادل
الهواتف؛ فمعرفة أمثاله تنقلك آماداً بعيدة في معنى الرضى والصبر!.
ورجوته أن يديم التواصل خاصة قرب
العملية حتى ندعو له ولوالده الفاضل بالشفاء!.
وانصرفنا.
ولكن بقي أثر اللقاء الدامي!.
ولم تغب عن مخيلتي صورة هذا الجميل
المبتلى الصابر الراضي (أحمد) ووالده!.
فلقد أعاد سيرة (أيوب) عليه السلام في
عصرنا!.
ثم امتلكني شعورٌ مخيف؛ ترى هل نحن
دوماً بحاجة إلى رسالة مرعبة من مولانا؛ ليكشف لنا كم تغمرنا نعمه الوفيرة ولا
نستشعرها، وكأنها حق مكتسب?!.
بل وننسى أننا قد وقعنا في فخ إبليس
اللعين ورهانه على جحودنا:
"وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ
شَاكِرِين"َ (الأعراف17)
وطاردني خوف من أن ربنا بجحودنا قد ينزع
عنا هذه النعم بفعل السنة الإلهية المرعبة وهي زوال النعم إذا جحدناها؛ عندما ننسى
كيف نشكره عليها!?.
وتذكرت نصيحة الحبيب صلى الله عليه وسلم
للعباس رضي الله عنه حول أعظم سؤال لربنا:
"سَلِ
اللهَ العَافية". (الترمذي وصححه الألباني)
وتدبرت ما ورد عن ابن عمر رضي الله
عنهما قال:
لم يكنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم
يَدَعُ هؤلاء الكلماتِ حين يُمْسي وحين يُصْبحُ:
"اللَّهُمَّ
إنِّي أسْأَلُكَ العافيَةَ في ديني ودُنْيَايَ وأَهْلي ومَالي،
اللَّهُمَّ اسْتُر عَوْراتي وآمِنْ
رَوْعاتي،
واحفَظْني مِنْ بين يديَّ ومِن خَلْفِي
وعن يميني وعن شِمَالي ومِنْ فَوْقِي،
وأَعُوذُ بِعَظمَتِك أَنْ أُغْتَالَ
مِنْ تَحتي". (صحيح)
وأن علينا أن نجيد فن حفظ نعم مولانا من
خطر هذه التحولات المرعبة:
”اللَّهُمَّ
إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ.
وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ.
وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ.
وَجَمِيعِ سَخَطِكَ“.
(مسلم)
ونواظب على هذه المناجاة:
"رَبِّ
أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى
وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي
إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ".
(الأحقاف15)
أي ألهمني يا مولاي، وحرضني وادفعني
وعلمني شكر نعمتك بهذه الثلاثية الذهبية:
(1)الشكر الداخلي أو شكر القلب أو
الباطن: بأن نعترف بها داخلنا وبقدرها وبقيمتها.
(2)شكر اللسان: بأن نعترف بها ونرطب
ألسنتنا بالتحميد والسجود لله شكراً على كل نعمة نستشعرها.
(3)الشكر الخارجي أو الجوارح فنوظفها في
طاعة الله، ولا نعصيه بنعمه سبحانه.
وبعد ...
كم هي أمانة أن أتذكر هذا الحبيب وأدعو
دوماً له ولنا ولكل من أحبنا وأحببناه في الله!.
نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن
يشفيك يا (أحمد) يا حبيب يا صبور وكل مبتلى.
اللهم رضّنا وارض عنا.
اللهم إنا نسألك العافية.
د. حمدي شعيب
(26 مايو 2017)
ثم ...
د. حمدي شعيب
(13 يونيو 2019م)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق