الجمعة، 3 مارس 2023

(1) شعبان ... يفضفض لي!؟

شعبان ضيفنا الحبيب زارني اليوم.
وحاورني وبثني همومه!؟.
فما هي هموم شعبان؟.
لمتابعة الفضفضة من فضلك افتح موقع (إسلاميات).

 (1) شعبان يفضفض لي
صليت الفجر، وعدت إلى البيت، وما كدت أنهي لحظات جميلة مع أذكار الصباح؛ حتى سمعت طرقاً على الباب؛ فأسرعت إلى هذا الطارق، وأنا قلق من هذه الزيارة المبكرة؛ فإذا بي أجد أمامي ضيفاً حبيباً؛ يبادرني وهو يخفي إحراجه خلف ابتسامة لطيفة: معذرة؛ على هذه الزيارة المبكرة؛ فلقد أحببت أن أسر إليك بعضاً من شجوني العاجلة؛ فهل يتسع صدرك وبيتك لي؟!.
فقلت: أيها الحبيب؛ كم هي مفاجأة سارة، وكم هو سعيد يومي هذا؛ لابدأه معكم، وكم هي بشرى سارة وعلامة قبول هذه الأيام المباركة، وكم أنا ممنون لأنكم وثقتكم بأخيكم؛ فأوليتمونه بهذا الشرف!؟.
هموم شعبان!؟:
تنهد ضيفي الحبيب؛ وكأنه على وشك أن يزيح جبالاً من الهموم والشجون عن كاهله؛ وقال شعبان: أخي الحبيب هل يصح هذا الموقف الغريب من أحبابي المسلمين تجاهي؟!.
إنها المرارة التي تغص حلقي كل عام؟!.
وهو الألم الذي يعتصرني على أحوال المسلمين!؟.
وهو الاستغراب الذي يملأني عندما أرى نظرتكم لي!؟.
أومأت برأسي؛ موافقاً على حسراته، وعدم رغبتي في قطع استرساله؛ فأكمل حديثه بكلمات أطلقها وكأنها زفرات تفرغ ما في نفسه من هموم: إنني أرى أن هذه الحالة السنوية المتكررة للمسلمين؛ حتى أصبحت عادة؛ إنما لسببين رئيسين:
السبب الأول: هواني عليكم؛ فتجهلون أو تتجاهلون حقوقي، وتتهاونون في وضعي ومكانتي وقدري بينكم، وفي دوري في حياتكم.
السبب الثاني: هوان أنفسكم عليكم؛ وذلك بالتفريط في الفرص ومواسم الخير التي يسوقها الحق سبحانه لعباده لعلهم يرجعون.
شعبان ... فرصة للاستعداد!؟:
شجعته بكلمات قصيرة؛ لا تقلل من إنصاتي له: صديقي الحبيب أنا في شوق لمعرفة السبب الأول!.
فقال ضيفي العزيز: لعلكم تقرأون هذا الحديث الرائع؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشرا شهرا، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر، الذي بين جمادى وشعبان). [البخاري ـ كتاب بدء الخلق ـ 3025]
لقد جاء الحبيب صلى الله عليه وسلم ليعدل به الحق سبحانه ميزان هذا الكون؛ بل والوجود كله؛ ويمنع الانحرافات البشرية خاصة فيما يتعلق بنا نحن الشهور؛ حيث عبثت بنا التجاوزات البشرية قبل الإسلام من حيث التأخير والتبديل فينا؛ فكان هذا الحديث إعلاناً ربانياً بالتعديل؛ فذكرني الحبيب من ضمن الشهور الأربعة الحُرُم!؟.
وهي رسالة لكم بتميزي وجواري لهذه الشهور الطيبة؛ وكأنني مرحلة تهيئة واستعداد روحاني لرمضان، فمن قصَّرَ في رجب؛ فعليه أن يلملم نفسه ويفكر في الفرصة الرمضانية قبل أن يُفاجأ بها!؟.
ولكن ماذا فعلتم بي؟!.
وافقته على كلماته، وأطرقت في خجل، وأنا أتمتم: ماذا فعلنا بك أيها الضيف الحبيب؟!.
الدورة الشعبانية التدريبية:
قال محدثي العزيز: لقد نسيتم أو تجاهلتم ما ذكره الحبيب صلى الله عليه وسلم عني في وصاياه الجليلة والعظيمة عن خيراتي التي أحملها لكم؛ وكأنني دورة روحية شعبانية، تسلمكم إلى رمضان، والتي تحتوي على:
1-التدريب على الصيام:
وتأمل ما ورد في فضل صيام أيامي!؟.
عن عائشة رضي الله عنها: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان. وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان. [رواه البخاري ومسلم]
عن ابن أبي لبيد عن أبي سلمة قلت لعائشة: أي أمه أخبريني عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!.
قالت: كانت صلاته في رمضان وغيره سواء ثلاث عشرة ركعة فيها ركعتان الفجر.
قلت: فأخبريني عن صيامه؟!.
قالت: كان يصوم حتى نقول قد صام ويفطر حتى نقول قد أفطر وما رأيته صام شهرا أكثر من صيامه في شهر شعبان كان يصومه إلا قليلاً". [مسند أحمد ـ مسند السيدة عائشة رضي الله عنها]
عن أم سلمه رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان. [رواه الترمذي وقال حديث حسن]
2-صومٌ ... مضاعف:
ومن الخير العظيم الذي فرطتم فيه؛ هو أن صيام يوم مني بيومين في غيري من الشهور!.
عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أو لآخر: "أصمت من سرر شعبان؟!".
قال:لا!.
قال: "فإذا أفطرت فصم يومين". [رواه البخاري ومسلم]
والسرر هنا كما قال جمهور أهل اللغة رحمهم الله تعالى هو آخر الشهر، وهو الصحيح.
وهذا الحديث فيه إشارة إلى فضيلة الصوم في شعبان، وأن صوم يوم يعدل صوم يومين في غيره، أخذاً من قوله في الحديث: "فصم يومين مكانه" يعني مكان اليوم الذي فوته من صيام شعبان، كما قال الحافظ ابن حجر نقلا عن القرطبي رحمهما الله.
3-شهر القراء:
وقارنوا أنفسكم بما كان يصنعه الصالحون في الاحتفاء بي؛ فاستمعوا لهذه السِّيَرْ:
قال الحسن بن سهل: قال شعبان: يارب جعلتني بين شهرين عظيمين؛ فما لي؟.
قال: جعلت فيك قراءة القرآن.
عن أنس رضي الله عنه قال: كان المسلمون إذا دخل شعبان انكبوا على المصاحف فقرأوها وأخرجوا زكاة أموالهم تقوية للضعيف والمسكين على صيام رمضان.
وعن سلمة بن كهيل: كان يقال شهر شعبان شهر القراء.
وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان؛ قال: هذا شهر القراء.
وكان عمرو بن قيس الملاني إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن.
4-موسم الحصاد السنوي للأعمال:
فقد جعلني الله موسم الحصاد لأعمالكم؛ وكأنني كما تسمونه موسم الجرد السنوي؛ والذي يتطلب اقتراب أكثر منه سبحانه ويحتاج تذلل وخضوع أن يتقبل منكم ما قدمتموه في عامكم من أعمال صالحة!.
عن أسامة بن زيد قال: قلت: يَا رَسُول اللَّه؛ لَمْ أَرَك تَصُومُ مِنْ شَهْر مِنْ الشُّهُور مَا تَصُوم مِنْ شَعْبَان؟.
قال: "ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاس عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَان، وَهُوَ شَهْر تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَال إِلَى رَبّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ". [حسنه الألباني في صحيح النسائي (2221)]
 قال السِّنْدِي رحمه الله: قيل وما معنى هذا مع أنه ثبت في الصحيحين أن الله تعالى يرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل؟!؛ قلت ـ أي السندي ـ: يحتمل أمران:
أحدهما: أن أعمال العباد تعرض على الله تعالى كل يوم، ثم تعرض عليه أعمال الجمعة كل اثنين وخميس، ثم تعرض عليه أعمال السنة في شعبان فتعرض عرضاً بعد عرض، ولكل عرض حكمة يُطْلِعُ عليها من شاء من خلقه أو يستأثر بها عنده مع أنه تعالى لا يخفى عليه من أعمالهم خافية.
ثانيهما: أن المراد أنها تعرض في اليوم تفصيلاً ثم في الجمعة جملة أو بالعكس.
صمت شعبان الحبيب لحظات ثم بادرني: لعلكم الآن عرفتم بعض فضلي ودوري معكم كموسم تقديم أعمالكم، وكدورة تهيئة لرمضان الحبيب؛ فماذا عن تفريطكم في حق أنفسكم معي؛ بعد أن فرطتم في حقي كضيف سنوي عليكم، وهذا له حديث آخر بعد أن تسترح قليلاً؛ مع وردك القرآني، ومع استكمالك لأذكار الصباح.
شكرت ضيفي الحبيب وتركته للحظات؛ على أمل استكمال حوارنا الطيب.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
ثم ...
استمتع بالمزيد من (شعبانيات تربوية) على هذا الرابط
د. حمدي شعيب

ليست هناك تعليقات: